للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحظر، وإلى الأخذ به؛ وذلك لأن الأصل في الأشياء الإباحة، والحظر طارئ عليها، فيكون متأخرًا.

فإن قيل: لم لا تجعل الموجب للإباحة متأخرًا؟

قلت: لأنه لو جعل كذلك لاحتيج إلى إثبات نسخين: نسخ الإباحة الثابتة في الابتداء بالنص الموجب للحظر، ثم نسخ الحظر بالنص الموجب للإباحة. والله أعلم.

فإن قيل: ليس بين الحديثين مساواة؛ لأن حديث عائشة أخرجه مسلم (١) في "صحيحه" وحديث أبي هريرة قد ضعفوه بصالح مولى التوءمة فلا يحتاج على هذا التوفيق؛ لأن التوفيق بين النصين المتعارضين إنما يطلب إذا كان بينهما مساواة كما عرف.

قلت: قد بينت لك صحة حديث أبي هريرة بالوجوه المذكورة، ولا يلزم من ترك مسلم تخريجه أن لا يكون صحيحًا؛ لأن الشيخين لم يلتزما إخراج كل ما صح عن رسول الله - عليه السلام -، ولئن سلمنا أن حديث أبي هريرة لا يسلم عن كلام، فكذلك حديثه عائشة لا يخلو عن كلام؛ فإن جماعة من الحفاظ مثل الدارقطني وغيره عابوا على مسلم تخريجه إياه مسندًا؛ لأن الصحيح أنه مرسل كما رواه مالك والماجشون، عن أبي النضر، عن عائشة مرسلًا، والمرسل ليس بحجة عند الخصم، وقد أوّل بعضهم حديث عائشة بأنه - عليه السلام - إنما صلى في المسجد بعذر المطر، وقيل: بعذر الاعتكاف، وعلى كل التقدير الصلاة على الجنازة خارج المسجد أولى وأفضل؛ لأنه إذا صلاها خارج المسجد يجوز بلا خلاف من غير كراهة، وإذا صلاها في المسجد ففيه الخلاف، فإتيان المتفق عليه أولى -بل أوجب- لا سيما في باب العبادات. والله أعلم.


(١) "تقدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>