عائشة؛ لأن حديث عائشة إخبارٌ عن فعل رسول الله - عليه السلام - في حال الإباحة التي لم يتقدمها نهي، وحديث أبي هريرة إخبار عن نهي رسول الله - عليه السلام - الذي قد تقدمته الإباحة، فصار حديث أبي هريرة أولى من حديث عائشة؛ لأنه ناسخ له، وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشة -وهم يومئذ أصحاب رسول الله - عليه السلام -- دليل على أنهم قد كانوا علموا في ذلك خلاف ما علمت ولولا ذلك لما أنكروا ذلك عليها، وهذا الذي ذكرنا من النهي عن الصلاة على الجنازة في المسجد وكراهتها، قول
أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف أيضًا، غير أن أصحاب الإملاء رووا عن أبي يوسف في ذلك أنه قال: إذا كان مسجدٌ قد أفرد للصلاة على الجنازة فلا بأس بأن يصلى على الجنائز فيه.
ش: تلخيص هذا الكلام: أن بين حديث أبي هريرة هذا وبين حديث عائشة المذكور في أول الباب اختلافًا وتضادًا من حيث الظاهر، والطريق فيه الكشف عن المتأخر من المتقدم ليجعل المتأخر ناسخًا للمتقدم، وحديث عائشة - رضي الله عنها - يدل على أنهم كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تصلى فيه؛ إذ لو لم تكن مفعولة في الابتداء، لما قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لقد صلى رسول الله - عليه السلام - على ابني بيضاء في المسجد". ولو كان فعلها مستمر إلى آخر الوقت لما أنكر الناس عليها؛ لأنهم لو لم يعلموا في ذلك خلاف ما قالت عائشة - رضي الله عنها - لما أنكروا ذلك عليها، وهم أصحاب رسول الله - عليه السلام -، فإذا كان كذلك يكون حديث أبي هريرة أولى من حديث عائشة؛ لأنه ناسخ له؛ لأن حديث عائشة إخبار عن فعله - عليه السلام - في حالة الإباحة التي لم يتقدمها شيء، وحديث أبي هريرة يخبر عن النهي الوارد على تلك الإباحة؛ فهذا عين النسخ.
فإذا قيل: من أي قبيل يكون هذا النسخ؟
قلت: من قبيل النسخ بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبًا للحظر والآخر موجبًا للإباحة، ففي مثل هذا يتعين المصير إلى النص الموجب