قوله:"هنيئًا له" أي للصبي المذكور، وانتصاب هنيئًا على أنه اسم جارٍ مجرى المصدر في انتصابه بعامل محذوف، والمعنى: هنؤ له هنيئًا، يقال: هنؤ الطعام يهنؤ هناءة أي صار هنيئًا، وكذلك هنيء الطعام مثل فَقِهَ وفَقُهَ، وكل أمر يأتيك من غير تعب فهو هنيء، وقد يجيء انتصابه على الحال، نحو قولك: هنيئًا لك المال، والتقدير: ثبت لك المال أو دام حال كونه هنيئًا، وعلى الصفة أيضًا كما في قوله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا}(١) أي أكلًا هنيئًا وشربًا هنيئًا.
قوله:"عصفور" خبر مبتدأ محذوف، أي هو عصفور.
قوله:"أو غير ذلك" أي أو يكون غير ما ذكرت يا عائشة، وأراد - عليه السلام - بذلك أن أحدًا لا يجزم عليه بأنه من أهل الجنة وإن كان صغيرًا لم يعمل سوءًا قط إلا الأنبياء عليهم السلام؛ فإنهم مقطوع لهم بالجنة، وكذلك من شهد له النبي - عليه السلام - بالجنة.
ويستنبط منه أحكام:
الأول: أنه يدل على أن الطفل يصلى عليه.
فإن قيل: كيف يدل الحديث على ذلك وليس فيه أنه صلى عليه؟
قلت: إنما جاءت الأنصار بصبيهم إلى النبي - عليه السلام - علمًا منهم أنه - عليه السلام - كان يصلي على الأطفال، ولو كانوا علموا خلاف ذلك لما جاءوا به إليه، وأيضًا لو لم يصل عليه لبين ذلك في الحديث؛ فإنهم جاءوا لأجل الصلاة، فلو كان الطفل لا يصلى عليه لأعلمهم النبي - عليه السلام - بذلك.
الثاني: فيه دلالة على أن الأطفال كلهم من المسلمين ومن الكافرين في مشيئة الله تعالى يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب، وذلك كله عدل منه، وهو أعلم بما كانوا عاملين، وهذا مذهب طائفة من العلماء، واحتجوا في ذلك أيضًا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام -: "كل بني آدم يولد على الفطرة ... " الحديث،