قالوا: ففي حديث أبي هريرة هذا ما يدل على أنها كانت صدقات في عهد رسول الله - عليه السلام -؛ لقوله:"بعد مؤنة عاملي" وعامله لا يكون إلا وهو حي، قالوا: ففي هذه الآثار ما قد دل على أن الصدقة لبني هاشم حلال؛ لأن رسول الله - عليه السلام - وأهله -وفيهم فاطمة بنته- قد كانوا يكون من هذه الصدقة في حياة رسول الله - عليه السلام -، فدل ذلك على إياحة سائر الصدقات لهم؛ فالحجة عليهم في ذلك أن تلك الصدقة كصدقات الأوقاف، وقد رأينا ذلك يحل للأغنياء، ألا ترى أن رجلًا لو أوقف داره على رجل غني أن ذلك جائز ولا يمنعه ذلك غناه؟ وحكم ذلك خلاف سائر الصدقات من الزكوات والكفارات وما يتقرب به إلى الله -عز وجل-، فكذلك من كان من بني هاشم ذلك لهم حلال، وحكمه خلاف سائر الصدقات التي ذكرنا.
ش: أي: فإن احتج محتج من أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من إباحة الصدقة على بني هاشم بالأحاديث التي رويت عن عائشة وعمر بن الخطاب وأبي هريرة - رضي الله عنهم -؛ لأن في هذه الأحاديث ما قد دل على أن الصدقة حلال لبني هاشم، وذلك لأن رسول الله - عليه السلام - وأهله -وفيهم فاطمة الزهراء بنته- قد كانوا يأكلون من هذه الصدقة في حياة رسول الله - عليه السلام -، وأجاب عن ذلك بقوله:"فالحجة عليهم في ذلك" أي: فالحجة على أهل المقالة الأولى في احتجاجهم: أن تلك الصدقة التي كانوا يأكلون منها لم تكن كسائر الصدقات من الزكوات والكفارات ونحوهما مما يتقرب به إلى الله -عز وجل- وإنما كانت تلك الصدقة كصدقة الأوقاف، وصدقات الأوقاف تحل للأغنياء؛ والدليل على ذلك أن رجلًا إذا وقف داره أو بستانه على رجل غني فإن ذلك جائز، ولا يمنع صحة الوقف غنى الموقوف عليه.
هذا الذي ذكره الطحاوي.
وذكر في "الاختيار": ولا يجوز الوقف على الأغنياء وحدهم؛ لأنه ليس بقربة ولا يستجلب الثواب، فصار كالصدقة، ولو وقف على الأغنياء وهم يحُصون ثم