للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عمر: وأما علماء المسلمين فعلى قولين:

أحدهما: وهو الأكثر وعليه الجمهور: أن النبي - عليه السلام - لا يورث، وما ترك صدقة.

والآخر: أن نبينا - عليه السلام - لم يورث؛ لأنه خصه الله تعالى بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته كما خصه في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره. وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية، وسائر علماء المسلمين على القول الأول.

فإن قيل: كيف سكنت أزواج النبي - عليه السلام - بعد وفاته في مساكنهن اللاتي تركهن رسول الله - عليه السلام - فيهن إن كن لم يرثنه، وكيف لم يخرجن عنها؟

قلت: لأن ذلك كان من مؤنتهن التي كان رسول الله - عليه السلام - استثناها لهن كما استثنى لهن نفقاتهن حين قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة".

والدليل على ذلك أن مساكنهم لم يرثها عنهن ورثتهن، ولو كانت تلك ملكًا لهن كان لا شك قد ورثها عنهن ورثتهن، وترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن ملكًا لهن وإنما كان لهن سكنى حياتهن، فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين نفعه كما جعل كذلك في الذي فضل من نفقتهن في تركة رسول الله - عليه السلام -، لما مضين لسبيلهن أضيف إلى أصل المال، فصرف في مصالح المسلمين مما يعم جميعهم نفعه.

فإن قيل: كيف تقول: الأنبياء لا يورثون، وقد قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} (١)، وقال أيضًا مخبرًا عن زكرياء: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (٢)؟


(١) سورة النمل، آية: [١٦].
(٢) سورة مريم، آية: [٥، ٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>