قلت: سليمان - عليه السلام - لم يرث من داود - عليه السلام - مالًا خلفه داود - عليه السلام - بعده، وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب هكذا.
وقال أهل العلم بتأويل القرآن والسنة: فورث سليمان من داود الحكمة والنبوة وفضل القضاء، وعلى هذا جماعة أهل العلم وسائر المسلمين إلا الروافض، وكذلك قالوا في قوله:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}(١) لا يختلفون في ذلك إلا ما روي عن الحسن أنه قال: يرثني مالًا ويرث من آل يعقوب النبوة والحكمة.
والدليل على صحة ما قال علماء المسلمين في تأويل هاتين الآيتين الكريمتين ما ثبت عن النبي - عليه السلام - أنه قال:"إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة".
وكل قول يخالف قول رسول الله - عليه السلام - فهو مدفوع مهجور، فتكون كل واحدة من الآيتين مخصوصة بهذا الحديث.
الثاني: فيه دليل على صحة ما ذهب إليه الفقهاء من تجويز الأوقاف في الصدقات المحبَّسة، وأن للرجل أن يُحْبِّس ماله ويوقفه على سبيل من سُبُل الخيرات يجري عليه نفعه من بعد وفاته.
الثالث: فيه دليل على اتخاذ الأموال واكتساب الضياع وما يسعى الإنسان لنفسه وعماله وأهله ونوائبه وما يفضل عن الكفاية.
الرابع: فيه رد على الصوفية ومَن ذَهب مذهبهم في قطع الاكتساب المباح.
الخامس: فيه دليل على أن للقاضي أن يقضي بعلمه؛ لما قضى أبو بكر - رضي الله عنه - في ذلك بما كان عنده من العلم.
وذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد وأجازا للقاضي أن يقضي بعلمه.
السادس: فيه دليل على قبول خبر الواحد العدل؛ لأنهم لم يردوا على أبي بكر قوله، ولا رد أزواج النبي - عليه السلام - على عائشة قولها ذلك وحكايتها لهن.