للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة الكسب، وقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل، فمن كان هذا سبيله لم يمنع الصدقة، بدلالة الحديث، وقد استظهر - عليه السلام - مع هذا في أمرهما بالإنذار، وقلدهما الأمانة فيما بطن من أمرهما.

ص: فالحجة للآخرين عليهم في ذلك: أن قوله: "إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغني". أي: أن غناكما يخفى عليَّ، فإن كنتما غنيين فلا حق لكما فيها، "وإن شئتما فعلت" لأني لم أعلم بغناكما فمباح لي إعطاؤكا، وحرام عليكما أخد ما أعطيتكما إن كنتما تعلمان من حقيقة أموركما في الغنى خلاف ما أرى من ظاهركما الذي استدللت به على فقركما، فهذا معنى قوله: "إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغني".

وأما قوله: "ولا لقوي مكتسب" فذلك على أنه لا حق فيها للقوي المكتسب من جميع الجهات التي بها يجب الحكم فيها، فعاد معنى ذلك إلى معنى ما ذكرنا من قوله: "ولا لذي مرة قوي"، وقد يقال: فلان عالم حقًّا إذا تكاملت فيه الأسباب التي بها يكون الرجل عالمًا، ولا يقال: هو عالم حقًّا إذا كان دون ذلك وإن كان عالمًا، فكذلك لا يقال: فقير حقًّا إلا لمن تكاملت فيه الأسباب التي يكون بها الفقير فقيرًا وإن كان فقيرًا؛ ولهذا قال لهما: "ولا حق فيها لقوي مكتسب" أي: ولا حق له فيها حتى يكون به من أهلها حقًّا وهو قوي مكتسب، ولولا أنه يجوز للنبي - عليه السلام - إعطاؤه للقوي المكتسب إذا كان فقيرًا لما قال لهما: دن شئتما فعلت" وهذا أولى ما حملت عليه هذه الآثار؛ لأنها إن حملت على ما حملها عليه أهل المقالة الأولى؛ ضادت سواها مما قد روي عن رسول الله - عليه السلام -، فمن ذلك:

ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، عن هلال بن حصن قال: "نزلتُ دار أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بالمدينة فضمني وإياه المجلس، فقال: أصبحوا فات يوم وقد عصَّب على بطنه حجرًا من الجوع، فقالت له أمرأته أو أمه: لو أتيت النبي - عليه السلام - فسألته، فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه، وأتاه فلان فسأله فأعطاه، فقلت: لا والله حتى أطلب، فطلبت فلم أجد شيئًا، فاستبقت

<<  <  ج: ص:  >  >>