تجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه ورأينا أيضًا كل واحد منهما لا يرجع فيما وهب لصاحبه في قول مَن يجيز الرجوع في الهبة فيما بين الغريبين، فلما كان الزوجان فيما ذكرنا قد جعلا كذوي الرحم المحرم فيما منع فيه من قبول الشهادة ومن الرجوع في الهبة، كانا في النظر أيضًا في إعطاء كل واحد منهما صاحبه من الزكاة كذلك.
فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -.
ش: أي: وإنما نطلب حكم دفع المرأة زكاتها إلى زوجها بعد أن علم حكمه بالآثار من طريق النظر والقياس.
والحاصل: أن القياس وشواهد الأصول أيضًا دلت على عدم جواز إعطاء المرأة زكاتها لزوجها، وبيَّن وجه ذلك بما هو ظاهر لا يحتاج إلى زيادة البيان.
وأشار أن السبب في عدم جواز ذلك ليس وجوب النفقة لها عليه، إذ لو كان هو السبب في ذلك لكان دفع الرجل زكاته إلى أخته الفقيرة غير جائز لوجوب نفقتها عليه، بل السبب في ذلك هو اتصال منافع الأملاك بينهما، ألا ترى أن كل واحد منهما ينتفع بمال صاحبه كما ينتفع بمال نفسه عرفًا وعادة؟! فحينئذٍ لا يتكامل معنى التمليك الذي هو شرط في الزكاة، والدليل على ذلك عدم قبول شهادة أحدهما للآخر، فهذا السبب ها هنا كالسبب الذي بين الأبوبين وأولادهما في منع جواز أداء زكاة كل منهم إلى الآخر، ومنع قبول الشهادة من كل منهم للآخر.
قوله:"وقد رأينا هذا السبب" أشار به إلى السبب المذكور، وهو اتصال منافع الأملاك.
قوله:"ورأينا أيضًا كل واحد منهما" أي من الزوجين "لا يرجع فيما وهب لصاحبه في قول من يجيز الرجوع في الهبة" وهو قول أبي حنيفة وأصحابه "فيما بين الغريبين" أي: الأجنبيين؛ لأن عندهم أن الواهب لأجنبي يجوز له الرجوع في هبته ما داما باقيين والعين باقية، ومع هذا لم يجوزوا الرجوع فيها من أحد الزوجين على الآخر مع كونهما أجنبين، ولكن لما ذكرنا من السبب سمع ذلك فصارا كالقريبين -بالقاف- اللذين لا يجزئ الرجوع بينهما في الهبة، فافهم.