قلت: بل يدل عليها ظاهر قوله: "ولم ينْس حق الله في رقابها" مع قرينة قوله في أول الحديث الصحيح: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته"، و"ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها"، و"ما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها".
وأيضًا فغير الزكاة من الحقوق لا يختلف فيها حكم الحمير والخيل، فافهم.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" بسند جيد (١): عن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - عليه السلام - حديثًا طويلًا وفيه:"فلأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاء لها ثغاء ينادي: يا محمَّد، يا محمَّد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا فقد بلَّغت، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسًا له حمحمة ينادي: يا محمَّد، يا محمَّد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا ... " الحديث.
وروي أنه ذكر بعيرًا له رغاء، فدل على وجوب الزكاة في هذه الأنواع وليس الذم لكونه غلَّ الفرس أو لم يجاهد عليه؛ لأن الغلول لا يختص بهذه الأنواع، وترك الجهاد بنفسه يذم عليه أكثر مما يذم على تركه بفرسه.
ص: واحتجوا في ذلك بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء، قال: ثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن السائب بن يزيد أخبره قال:"رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -".
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس بن مالك:"أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - كان يأخذ من الفرس عشرة، ومن البرذون خمسة".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر والحجاج بن منهال، قالا: ثنا حماد بن سلمة ... فذكر بإسناده مثله.
وممن ذهب إلى هذا القول أيضًا أبو حنيفة وزفر رحمهما الله.
(١) ورواه البزار في "مسنده" (١/ ٣١٤ رقم ٢٠٤) مطولًا من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وهو في "المصنف" (٦/ ٥٢٥ رقم ٣٣٥٣٠) من حديث أبي هريرة نحوه، وأصله في "الصحيح".