"خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة". أجاب عمر - رضي الله عنه - فقال:"هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي" وأراد بهما: النبي - عليه السلام - وأبا بكر- رضي الله عنه -، فدلَّ ذلك أن النبي - عليه السلام - لم يكن يأخذ من الخيل شيئًا ولا أبو بكر- رضي الله عنه - من بعده في خلافته، وأيضًا فلم يُنكر على عمر- رضي الله عنه - قوله ذلك أحد من الصحابة، إذ لو كان الأمر بخلافه لأنكروا عليه، فدلَّ ذلك كله أن ما كان أخذه عمر - رضي الله عنه - من السائب بن يزيد ليس على جهة الوجوب، بيَّن ذلك حديث حارثة بن مضرب، وأيضًا قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لعمر بن الخطاب:"قد أشاروا عليك إن لم يكن جزية راتبة وخراجًا واجبًا" دلَّ على ما قلنا؛ لأن عمر قبل هذا القول منه، فدل ذلك كله على أن عمر إنما أخذ منهم ما أخذ بسؤالهم إياه ليأخذه ويصرفه في الصدقات، حتى إن لهم منع ذلك متى أحبوا، وأيضًا فإن عمر- رضي الله عنه - قد سلك في العبيد أيضًا مسلك الخيل حيث أخذ من كل عبد عشرة، والعبيد إذا لم يكونوا للتجارة لا يجب فيهم شيء، فدلَّ ذلك أن ما كان يأخذه كان على سبيل التبرع من أصحابها حيث أعطوا ذلك.
ثم إنه أخرج الأثر المذكور عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن القاسم المعروف بسحيم الحراني قال أبو حاتم: صدوق. عن زهير بن معاوية بن حديج الكوفي روى له الجماعة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة، عن حارثة بن مضرِّب العبدي الكوفي قال أحمد: حسن الحديث. وعن يحيى: ثقة. وروى له الأربعة.
وأخرجه الدارقطني في "سننه"(١): ثنا محمَّد بن المعلى الشونيزي، ثنا محمَّد بن عبد الله المخزومي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب: "أن قومًا من أهل الشام أتوا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقالوا: إنا قد أصبنا كراعًا ورقيقًا، وإنا نحب أن نزكيه. قال: ما فعله صاحباي قبلي، ولا أفعله حتى