للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورواه الدارقطني في "سننه" (١): من حديث يعقوب الدورقي، عن ابن علية به سندًا ومتنًا كما ذكرناه، ومن الشافعية مَن جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب.

وقال النووي: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة، ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبةً منه وأعلم بحال النبي - عليه السلام -، وقد أخبر معاوية بأنه رأي رآه، لا قول سمعه من النبي - عليه السلام -.

قلنا: أما قولهم: إن الطعام في العرف هو البُرّ فممنوع، بل الطعام يطلق على كل مأكول كما ذكرناه، بل أريد به ها هنا غير الحنطة، والدليل عليه ما وقع في رواية أبي داود: "صاعًا من طعام، صاعًا من أقط" فإن قوله: "صاعًا من أقط" بدل من قوله: "صاعًا من طعام" أو بيان عنه، ولو كان المراد من قوله: "صاعًا من طعام" هو البُرّ لقال: أو صاعًا من أقط بحرف "أو" الفاصلة بين الشيئين.

فإن قيل: ها هنا في رواية الطحاوي بـ"أو" الفاصلة بين الشيئين.

قلت: كفى لنا حجةً رواية أبي داود على ما ادعينا مع صحة حديثه بلا خلاف (٢).

ومما يؤيد ما ذكرنا ما جاء فيه عند البخاري (٣): عن أبي سعيد قال: "كنا نُخرج في عهد رسول الله - عليه السلام - يوم الفطر صاعًا من طعام، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر".

وأما ما رواه الحاكم (١) فيه: "أو صاعًا من حنطة" فقد قال أبو داود أن هذا ليس بمحفوظ، وقال ابن خزيمة فيه: وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم، وقول الرجل له: "أو مُدَّين من قمح" دالّ على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم؛ إذ لو كان صحيحًا لم يكن لقوله: "أوْ مدَّين من قمح" معنًى، وقد


(١) تقدم ذكره.
(٢) الذي عند أبي داود في النسخة المطبوعة بذكر "أو".
(٣) "صحيح البخاري" (٢/ ٥٤٨ رقم ١٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>