للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أنْ يكون منصوبا على تقدير: هل تفعلون الوضوءَ، أو تتوضئون الوضوءَ من غير حدث؟!

فأنكر عليهم ذلك ونسبهم إلى الجهل، ثم بالغَ في إنكاره بقوله: "ليوشك ... " إلى آخره.

فقوله: "ليُوشِك" بكسر الشين، وفتحها لغة عَاميّة، وهو من أفعال المقاربة.

قال الجوهري: أوشك فلان، يُوشِك إيشاكا، أيّ أسْرع، ومنه قولهم: يوشك أنْ يكون كذا، وفي "المطالع": حكى بعضهم: وَشُك - بضم الشين أيّ أسْرع- وَشْكا وَوَشْكَانا بتثليث الواو فيهما، وأنكر الأصمعي أَوْشَكَ.

وخبرها فعل مضارع مقرون بـ"أنْ" غالبا، كعَسَى، وقد يجيء مجردا من "أنْ" كما فيما روى ابن ماجه في "سننه" (١): أنَّ رسول الله قال: "يُوشك الرجل متكئا على أريكته (يأتيه الأمر من أمري) (٢) ... " الحديث.

وقد عُلم أنَّ أحد استعمالي "عسى" أنْ يُذكر لها مرفوع فقط، فيستغني عن الخبر لاستعمال الإسم على المنسوب والمنسوب إليه، فكذلك "يوشك" ها هنا ذكر لها مرفوع فقط، وهو قوله: "أنْ يقتل الرجل أباه" كما تقول "عسى أنْ يخرج زيد" و"أنْ" مصدرية، والتقدير: قَرُب قتل الرجل أباه من الجهل، وهو يتوضأ من غير حدث، وهذه الجملة حال، أيّ حال كونه متوضئا من غير حدث، وهذه مبالغة عظيمة في غاية الإنكار، حتى جعل التوضؤ من غير حدث كقتل الوالد والأخ من الجهل، فإنْ قلت: هذا الإنكار العظيم يدل على أنَّ الوضوء من غير حدث ذنب عظيم؟ قلت: إنكار أبي موسى - رضي الله عنه - إنما كان لأجل فعلهم بالجهل، واعتقادهم أنَّ بوضوء واحد لا تجوز إلا صلاة واحدة، والدليل على ذلك ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (٣): عن مَعمر، عن قتادة، عن يونس بن


(١) "سنن ابن ماجه" (١/ ٦ رقم ١٢).
(٢) كذا في "الأصل، ك"، وفي "سنن ابن ماجة": "يُحدَّث بحديث من حديثي".
(٣) "مصنف عبد الرزاق" (١/ ٥٥ رقم ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>