للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُبَير أبي غلّاب، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: "كنا مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في جيش على ساحل دجلة، إذ حضرت الصلاة، فنادى مناديه للظهر، فقام الناس إلى الوضوء، فتوضأ ثم صلى بهم، ثم جلسوا حِلَقا، فلما حضرت العصر نادى منادي العصر، فَهَبَّ الناسُ للوضوء أيضًا، فأمَر منادِيه: ألا لا وضوء إلَّا على مَنْ أَحْدَث، قال: أوْشك العلم أنْ يذهبَ، ويَظهر الجهل، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل". انتهى.

فهذا صريح على أنَّ إنكاره إنما كان على فعلهم بالجهل، فلذلك أكد كلامه في الإنكار باللام، وتشبيه حال من يتوضأ من غير حدث بالجهل؛ بحال مَن يقتل أباه أو أخاه بالجهل، ثم إنه خص الأب والأخ والعم وابن العم، ولم يُشبّه بقتل النفس مطلقا بالجهل، وإنْ كان القتل بالجهل كله حراما؛ زيادة للمبالغة أيضًا؛ لأن قتل هؤلاء أعظم في النفس من قتل غيرهم، مع حرمان الإرث، ومن الدليل على ما قلنا أيضًا:

ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): عن وكيع، عن أبي هلال، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: "الوضوء من غير حدثٍ اعتداء".

أيّ ظلم، إذا كان عن جهل مثل ما ذكرنا، وإلَّا فالوضوء على الوضوء نور على نور، وقد ذكرنا ما رواه الطحاوي والترمذي من حديث عبد الله بن عمر "من توضأ على طهر؛ كتب الله له بذلك عشر حسنات" (٢). ولكن ذكروا أنَّ هذا الثواب إنما يحصل إذا فصل بين الوضوءين بصلاة، أيّ صلاة كانت؛ لأنه لم ينقل عنه - عليه السلام - أنَّه توضأ لصلاة واحدة مرتين، قال أبو عمر في "التمهيد": لم يحفظ عنه - عليه السلام - قط أنَّه توضأ لصلاة واحدة مرتين، وإنْ كان توضأ لكل صلاة.


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (١/ ٣٤ رقم ٢٩٥).
(٢) تقدم تخريجه عند التعليق على حديث: "الوضوء على الوضوء نور على نور".

<<  <  ج: ص:  >  >>