{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(١) يُبيح الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، ثم الأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر متأخر عنه؛ لأن كلمة "ثم" للتعقيب مع التراخي فكان هذا أمرًا بالصوم متراخيًا عن أول النهار والأمر بالصوم أمر بالنية إذ لا صحة للصوم شرعًا بدون النية، فكان أمرًا بالصوم بنيةٍ متأخرة عن أول النهار، وقد أتى به فيخرج عن العهدة.
وفيه دلالة أن الإمساك في أول النهار يقع صومًا وُجدت فيه النية أو لم توجد؛ لأن إتمام الشيء يقتضي سابقة وجود بعض منه، فإذا شرطنا النية من الليل بخبر الواحد يكون نسخًا لمطلق الكتاب فلا يجوز ذلك، فحينئذٍ يحمل ذلك على الصيام الخاص المعين وهو الذي ذكرناه؛ لأن مشروع الوقت في هذا يتنوع فيحتاج إلى التعيين بالنية بخلاف شهر رمضان؛ لأن الصوم فيه غير متنوع فلا يحتاج فيه إلى التعيين، وكذلك النذر المعين، وأما صوم التطوع فإنما يجوز بنية من النهار قبل الزوال، فَلِمَا روي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"قال لي رسول الله - عليه السلام - ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء. قال: فإني صائم ... " الحديث.
أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي على ما نذكره إن شاء الله تعالى (١)، وهو مروي أيضًا عن علي وابن مسعود وابن عباس وأبي طلحة - رضي الله عنهم -.
وإنما لا يجوز التطوع بنية بعد الزوال فلأن الصوم لا يتحرى فرضًا أو نفلًا ويصير صائمًا من أول النهار بالنية الموجودة، وقت الركن وهو الإمساك وقت الغداة المتعارف، فإذا نوى بعد الزوال قد خلا بعض الركن عن الشرط، فلا يصير صائمًا شرعًا.
وجواب آخر عن حديث حفصة أنه محمول على نفي الفضيلة والكمال كما في قوله - عليه السلام -: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، ونحن نقول أيضًا أن الأفضل في