الثالث: حديث حفصة المذكور في أول الباب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فإنه محمول على صوم غير الصومين المذكورين، وهما: الصوم التطوع، والصوم المفروض في وقت معيَّن، وهو صوم قضاء رمضان وصوم الكفارات والصوم المنذور بلا تعيين يوم.
فبهذا التصحيح والتخريج ارتفع أن يضاد بعضها بعضًا؛ لأن في مثل هذا إعمالًا بالدلائل كلها، وفيما ذهب إليه المخالف إهمال لبعضها، وإعمال كلها أول، من إعمال البعض وإهمال البعض.
ص: ويكون حكم النية التي يدخل بها في الصوم على ثلاثة أوجه:
فما كان منه فرضًا في يوم بعينه كانت تلك النية مجزئة قبل دخول ذلك اليوم في الليل، وفي ذلك اليوم أيضًا.
وما كان منه فرضًا لا في يوم بعينه كانت النية التي يُدخل بها فيه في الليلة التي قبله ولم يُجز بعد دخول اليوم.
وما كان منه تطوعًا كانت النية التي يُدخل بها فيه في الليل الذي قبله وفي النهار الذي بعد ذلك.
فهذا هو الوجه الذي تخرج عليه الآثار التي ذكرنا ولا تتضاد. فهو أولى ما حملت عليه، وإلى ذلك كان يذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمدٌ رحمهم الله، إلا أنهم كانوا يقولون: ما كان منه تجزئ النية فيه بعد طلوع الفجر مما ذكرنا فإنها تجزئ في صدر النهار الأول، ولا تجزى فيما بعد ذلك.
ش: لما كانت أحاديث هذا الباب على ثلاثة أنواع، صارت نية الصوم أيضًا ثلاثة أنواع:
الأول: النية التي توجد في الصوم المفروض في يوم معين، فإنها تجوز في ليل ذلك اليوم، وتجوز في اليوم أيضًا، وهو معنى قوله:"فما كان منه فرضًا في يوم بعينه ... " إلى آخره.