للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به القوة للقاء العدو الذي أمرهم رسول الله - عليه السلام - بالفطر من أجله، ولهذا المعنى قال لهم النبي - عليه السلام -: "ليس من البر الصوم في السفر" على هذا المعنى الذي ذكرنا.

ش: أي: وكان من الحجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى: في الذي احتجوا به عليهم من قوله - عليه السلام -: "ليس البر الصيام في السفر" وأراد بها الجواب عن ذلك.

بيانه أن يقال: إن استدلالهم بهذا الحديث لا يتم؛ لأنه ليس المراد من نفي البر نفي نفس البر، وإنما هو نفي أعلي مراتب البر، والمعنى: ليس أبر البر وأعلى مراتب البر الصيام في السفر؛ لأنه وإن كان الصوم في السفر برًّا فقد يكون الفطر أبر منه فيما إذا كان في حج أو جهاد، ليقوى عليه، فيكون هذا من نظير قوله - عليه السلام -: "ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ... " الحديث (١)، ومعلوم أن مَن يطوف مسكين، وأنه من أهل الصدقة إذا لم يكن له شيء، وقال - عليه السلام -: "ردوا المسكين ولو بكراع محرق" (٢).

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "إن المسكين ليقف على بابي ... " الحديث (٣)، فعلم أن قوله - عليه السلام -: "ليس المسكين بالطواف" معناه: ليس السائل بأشد الناس مسكنة؛ لأن المتعفف الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى هو أشد الناس مسكنة، فلم يخرج المسكين بالطواف من أسباب المسكنة كلها، ولكنه خرج عن حد المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس ولا يعرف فيتصدق عليه، وكذلك قوله - عليه السلام -: "ليس من البر الصيام في السفر" ليس معناه إخراج الصوم في السفر من أن يكون برًّا، ولكن معناه: ليس من البر الذي هو أبو البر وأكمله وأتمه الصوم في السفر؛ لأنه قد يكون الإفطار أبو فيه من غيره إذا كان في حج أو جهاد، أو لمن كان يريد أخذ الرخصة التي تصدق الله بها على عبيده، وقد مر الكلام فيه مرةً في


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٢/ ٧١٩ رقم ١٠٣٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٩٢٣ رقم ١٦٤٦) من حديث أم بجيد.
(٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (٦/ ٣٨٢ رقم ٢٧١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>