قوله:"أيام أكل" كلام إضافي وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي أيام أكل وشرب، ويجوز نصبه على أنه بدل من قوله:"أيام الأضحى".
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه كصوم يوم النحر.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: بعض أهل الحديث وبعض الظاهرية، فإنهم قالوا: صوم يوم عرفة كصوم يوم النحر حرام، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور سواء كان للحاج أو غيره.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بصوم يوم عرفة.
ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور الفقهاء والمحدثين من التابعين ومَن بعدهم منهم: مسروق وإبراهيم النخعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: لا بأس بصوم يوم عرفة، والأفضل لغير الحاج صومه، وأما الحاج فالفطر أفضل له، وقال القاضي: وفطر يوم عرفة مستحب للحاج عند جماعة من العلماء، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين وجماعة من السلف؛ ليتقووا بذلك على ما هم بسبيله من الوقوف والدعاء والسعي من عمل الحج.
وروي عن جماعة من السلف اختيار صومه والترغيب فيه، وجاءت فيه آثار قد ذكرها مسلم وغيره، ويجمع بينهما أن الأفضل لسائر الناس غير الحاج صومها للآثار الواردة في ذلك، والأفضل للحاج فطرها لاختيار النبي - عليه السلام - ذلك لنفسه، وسنته ذلك لمن بعده.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أنه قد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - إنما أراد بنَهْيِه عن صوم يوم عرفة بالموقف؛ لأنه هناك عيد وليس في غيره كذلك، وقد بين ذلك أبو هريرة.
حدثنا محمَّد بن إدريس المكي وابن أبي داود، قالا: ثنا سليمان بن حرب. (ح)