للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لم يكن ذلك من رسول الله - عليه السلام -[علي] (١) إيجاب غسل المذاكير، ولكنه ليتقلص المذي فلا يخرج، قالوا: ومن ذلك ما أُمر به المسلمون في الهدي إذا كان له لبن أنْ ينضح ضرعه بالماء؛ ليتقلص ذلك فيه فلا يخرج.

ش: أيّ خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ومالكا في رواية، وأحمد كذلك؛ فإنهم قالوا: لم يكن ذلك أيّ قوله: - عليه السلام -: "يغسل مذاكيره" إيجاب غسل ولكنه ليتقلص أيّ ليرتفع ويزول، من قلص الشيء، تقلص قلوصا: ارتفع. يقال: قلص الظلّ، وقَلَص الماء: إذا ارتفع في البئر فهو ماء قَالِصٌ، وقَلاص، وقَلِيص، وقَلَص، وقَلَّص وتَقَلَّص: كله بمعنى واحد. أيّ: انضم وانزوى، يقال: قلصت شفته: إذا انزوت، وقلص الثوب بعد الغسل، وشفة قالصة، وظل قالص: إذا نقص.

قوله: "ومن ذلك" أيّ من القبيل المذكور: مسألة الهدي إذا كان لها لبن يُدِرُّ، فإنه ينضح بالماء ليتقلص، أيّ: ليرتفع لبنها وينقطع، فإنّ هذا في الحديث ليس على الإيجاب. ومن خاصيَّة الماء البارد أنَّه يقطع اللبن ويردّه إلى داخل الضرع، وكذلك إذا أصاب الأنثيين رَدَّ المذي وكسره، و"النضح" -بالضاد المعجمة، والحاء المهملة-: الرش.

ص: وقد جاءت الآثار متواترة بما يدل على ما قالوا، فمن ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود وابن أبي عمران، قالا: حدثنا عمرو بن محمَّد الناقد، قال: نا عَبيدةُ بن حميد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال علي - رضي الله عنه -: "قد كنت رجلًا مذاء، فأمرتُ رجلًا، فسأل النبي - عليه السلام - فقال: فيه الوضوء".


(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>