طريق عن ابن مسعود، فإذا كان كذلك فقد تساوى حديثاه، وهو معنى قوله:"فقد تكافأ هذا الحديث وما روى الهِزْهاز" وهو هانئ عنه، فإذا تكافئا لم يبق لأحد من أهل المقالتين أن يحتج بشيء من ذلك؛ لأن أحدًا من أهل المقالتين إذا احتج بأحد الحديثين على الآخر؛ فالآخر أيضًا يحتج عليه بالآخر.
ص: وأما ما ذكروه من حديث سعيد- يعني ابن المسيب أنه ينقص صومه، فإن ما روي عن رسول الله - عليه السلام - من تشبيهه ذلك بالمضمضة أولى من قول سعيد.
ش: هذا جواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى أيضًا من قول سعيد بن المسيب أنه ينقص صومه، بيانه: أن ما روي عن النبي - عليه السلام - من أنه شبه القبلة بالمضمضة في الصوم أولى بالعمل وأحق بالقبول من قول سعيد بن المسيب؛ لأنه ليس لأحد كلام مع كلام صاحب الشرع.
فإن قيل: لم يجب الطحاوي عما روي عن عمر - رضي الله عنه -: "لأن أعض على جمرة أحب إلى من أن أُقَبِّلَ وأنا صائم".
قلت: كأنه قد اكتفى بما أجاب به عن حديثه الآخر، ونقول أيضًا: هذا معارض بما رواه عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كانت تقبله امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو وهو صائم، فلا ينهاها".
أخرجه ابن حزم (١).
فدل هذا على أن ما روي عن عمر - رضي الله عنه - من النهي عن ذلك إنما هو في حق من لا يملك نفسه، ولا يأمن عن الإنزال.
ص: ثم قال بذلك جماعة من أصحاب رسول الله - عليه السلام - مما سنذكر ذلك عنهم في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ش: أي ثم قال بإباحة القبلة للصائم جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - على ما يجيء بيانه في آخر الباب، وهذا كجواب ثانٍ عن ما روي عن عمر وابن مسعود من كراهة