ذكر الثلاث، وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها، ثم ما رُوي عنه في مَنْعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد، فكل واحد من تلك الآثار ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نَسَخَه، إن كان النهي عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهي عن سفر الثلاث بلا محرم، فهو ناسخ، وإن كان تخبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ، فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخةٌ لها، فلم يَخْلُ تخبر الثلاث من أحد وجهين: إما أن يكون هو المتقدم، أو أن يكون هو المتأخر، فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر بأقل من ثلاث بلا محرم، ثم جاء بعده النهي عن سفر ما هو دون الثلاث بغير محرم، فحرَّم ما حرم الحديث الأول، وزاد عليه حرمةً أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث، فوجب استعمال الثلاث على ما أَوْجَبه الأثر المذكور فيه وإن كان هو المتأخر وغيره المتقدم فهو ناسخٌ لما تقدمه والذي تقدمه غير واجب العملُ به، فحديثُ الثلاث واجبٌ استعماله على الأحوال كلها، وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر، ولا يجب إن كان هو المتقدم، فالذي قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال وتركه في حال، وفي ثبوت ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع محرم، فإذا عَدِمَت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التي ذكرنا فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها الحج بوجوده.
ش: أشار بهذا الكلام إلى بيان وجوب العمل بالأحاديث التي فيها تعيين مدة الثلاث، والتوفيق بينها وبين الآثار التي فيها التعيين بيومٍ ويومين، بيانه ملخصًا: أن هذه الآثار كلها متفقة على حرمة السفر عليها بغير ذي محرم مسافة ثلاثة أيام، والاختلاف فيما دونها، والنهي عن السفر مسافة ثلاثة أيام فما فوقها ثابت بهذه الآثار كلها، ثم في تقييده بالثلاث إباحة لما دونها، إذ لو لم يكن كذلك لما كان لتعيين الثلاث فائدة، ولكان نهي مطلقًا، وكلام الحكيم مصون عما لا فائدة فيه وعن الحشو، ولا سيما رسول الله - عليه السلام - الذي أُوتي جوامع