فأردنا أن ننظر في لبس ذلك من طريق الضرورة كيف هو؟ وهل يوجب كفارة أو لا يوجبها؟
فاعتبرنا ذلك، فرأينا الإِحرام ينهى عن أشياء قد كانت مباحة قبله، منها لبس القميص والعمائم والخفاف والسراويلات والبرانس، وكان من اضطر فوجد الحرَّ فغطى رأسه، أو وجد البرد فلبس ثيابه أنه قد فعل ما هو مباح له فعله، وعليه الكفارة مع ذلك، وحرم عليه الإِحرام أيضًا حلق الرأس إلا من ضرورة، وكان من حلق رأسه من ضرورة فقد فعل ما هو مباح له والكفارة عليه واجبة، فكان حلق الرأس للمحرم في غير حال الضرورة إذا أبيح لم تكن إباحته تسقط الكفارة، بل الكفارة في ذلك كله واجبة في حال الضرورة كهي في غير حال الضرورة، وكذلك لبس القميص الذي حرم عليه في غير حال الضرورة، فإذا كانت الضرورة فأبيح ذلك له لم يسقط بذلك الضمان، فكانت الكفارة واجبة عليه في ذلك كله فلم تكن الضرورة في شيء مما ذكرنا تسقط كفارة كانت تجب في شيء في غير حال الضرورة، وإنما تسقط الأثام خاصة، فكذلك الضرورات في لبس الخفاف والسراويلات لا توجب سقوط الكفارات التي كانت تجب لو لم تكن تلك الضرورات، ولكنها ترفع الأثام خاصة.
فهذا هو النظر في هذا [الباب أيضًا](١) وهو قول أبي حنيفة، وأبى يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي وأما وجه النظر والقياس في الحكم المذكور المختلف فيه، فإنَّا رأيناهم، أي الأخصام كلهم ... إلى آخره. وهو ظاهر غني عن زيادة بيان.
قوله:"وكان من اضطر" أي الذي اضطر إلى اللبس.
قوله:"لم يسقط بذلك الضمان" وفي كثير من النسخ الكفارة، وهو الأقرب.
قوله:"فهذا هو النظر" أي فهذا الذي ذكرنا هو وجه النظر والقياس في هذا الباب.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".