للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد قيل: إنه يحتمل أن يكون السؤال عما لا يلبسه، وأضمر كلمة "لا" في محل السؤال، لأن كلمة "لا" قد تراد في الكلام وقد تحذف منه، كما في قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (١) أي أن لا تضلوا، فحينئذ يكون الجواب مطابقًا للسؤال.

وقيل: يحتمل أن -عليه السلام- علم غرض السائل ومراده أنه طلب منه بيان ما لا يلبسه المحرم بعد إحرامه، إما بقرينة جالية أو بدليل آخر أو بالوحي، فأجاب عما في ضميره وغرضه ومقصوده.

ويقال: إنه لما خص المخيط بأنه لا يلبس المحرم بعد تقدم السؤال عما يلبسه دل أن الحكم في غير المخيط بخلافه والتنصيص على حكم في مذكور، إنما يدل على تخصيص ذلك الحكم به بشرائط ثلاثة:

أحدهما: أن لا يكون فيه حَيْدٌ عن الجواب لمن لا يجوز عليه الحيد، فأما إذا كان؛ فإنه يدل عليه صيانة لمنصب النبي -عليه السلام- عن الحيد عن الجواب عن السؤال.

والثاني: من المحتمل أن يكون حكم غير المذكور خلاف حكم المذكور، وهنا لا يحتمل؛ لأنه يقتضي أن لا يلبس المحرم أصلاً، وفيه تعريضه للهلاك بالحر أو بالبرد والعقل يمنع من ذلك، فكان المنع من أحد النوعين في مثله إطلاقًا للنوع الآخر.

والثالث: أن يكون ذلك في غير الأمر والنهي، فأما في الأمر والنهي فيدل عليه، قد صح من مذهب أصحابنا أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، والتنصيص ها هنا في محل النهي فكان ذلك دليلًا على أن الحكم في غير المخيط بخلافه والله أعلم.

ص: وأمَّا النظر في ذلك فإنا قد رأيناهم لم يختلفوا فيمن وجد إزارًا أن لبس السراويل له غير مباح لأن الإِحرام قد منعه من ذلك، وكذلك من وجد نعلين فحرام عليه لبس الخفين من غير ضرورة.


(١) سورة النساء، آية: [١٧٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>