ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما غسل من ذلك حتى صار لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإِحرام، لأن الثوب الذي صبغ إنما نهي عن لبسه في الإِحرام؛ لما كان قد دخله مما هو حرام على المحرم، فإذا غسل فخرج ذلك منه ذهب المعنى الذي له كان النهي، وعاد الثوب إلى أصله الأول قبل أن يُصيبه ذلك الذي غسل منه، وقالوا هذا في الثوب الطاهر تصيبه النجاسة فينجس بذلك، فلا تجوز الصلاة فيه، فإذا غُسل حتى تخرج منه النجاسة طهر، وحلت الصلاة فيه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وطاوسًا وقتادة وإبراهيم النخعيّ وسفيان الثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحق وأبا يوسف ومحمدًا وأبا ثور؛ فإنهم أجازوا للمحرم لبس الثوب المصبوغ بالورس والزعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض.
وقوله:"لا ينفض" له تفسيران منقولان عن محمد بن الحسن:
أحدهما: لا يتناثر صبغه.
والآخر: لا يفوح ريحه.
والتعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه ولكن يفوح ريحه يمنع من ذلك؛ لأن ذلك دليل بقاء الطيب، إذ الطيب ما له رائحة طيبة.
وقال أبو يوسف في "الإِملاء": لا ينبغي للمحرم أن يتوسد ثوبًا مصبوغًا بالزعفران ولا الورس ولا ينام عليه؛ لأنه يصير مستعمِلًا للطيب فكان كاللبس.
قوله "هذا" أي قال الآخرون: هذا الثوب المصبوغ الذي لا ينفض .. إلى آخره هذا قياس صحيح، والجامع زوال [عين](١) مما أصاب، فافهم.
ص: وقد روي عن النبي -عليه السلام- في ذلك أنه استثنى مما حرمه على المحرم من ذلك فقال:"إلاَّ أن يكون غسيلًا".