منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله، أَلِعَامِنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله -عليه السلام- أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج -مرتين- لا بل لأبد أبد. وقدم علي -رضي الله عنه- من اليمن ببُدن النبي -عليه السلام-، فوجد فاطمة -رضي الله عنها- ممن حل ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أبي أمرني بهذا، فكان علي -رضي الله عنه- يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله محرشًا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله -عليه السلام- فيما ذَكَرَت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: صدقت صدقت، ماذا قلت: حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك -عليه السلام-، قال: فإن معي الهدي، فلا تحل، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي -رضي الله عنه- من اليمن والذي أتى به النبي -عليه السلام- مائة، قال: فحل الناس كلهم وقصدوا إلاَّ النبي -عليه السلام- ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله -عليه السلام- فصلى بها [الظهر والعصر، والمغرب](١) والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -عليه السلام- ولا تشك قريش إلاَّ أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله -عليه السلام- حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحِّلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلاَّ كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فَقَتَلَتْهُ هذيل، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله. فاتقوا اللهَ في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن
(١) في "الأصل، ك": " الظهر والعصر، والظهر والمغرب" وزيادة "الظهر" الثانية ليست في "صحيح مسلم".