للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم آخرون أنه إنما نهى عمر عنها لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام، وقال آخرون: إنما نهى عنها لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته، فخشى أن يضيع الإِفراد والقران، وهما سُنتان للنبي -عليه السلام-، وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له: إنك لتخالف أباك، فقال ابن عمر: لم يقل الذي تقولون، إنما قال: أفردوا الحج والعمرة، فإنه أتم للعمرة. أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلاَّ بهدي، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج، فجعلتموها أنتم حرامًا وعاقبتم الناس عليها، وقد أحلها الله، وعمل بها رسول الله -عليه السلام-، فإذا أكثروا عليه [قال:] (١) كتاب الله بيني وبينكم، كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر -رضي الله عنه-؟!

قوله: "قد صنعها رسول الله -عليه السلام-" أي قد صنع رسول الله المتعة بالعمرة إلى الحج، واستدلت به أهل المقالة الثانية على أن التمتع أفضل من الإِفراد والقران، وقال أبو عمر: أما قول سعد: "قد صنعها رسول الله -عليه السلام- فصنعناها معه" فليس فيه دليل على أن رسول الله -عليه السلام- تمتع، لأن رسول الله -عليه السلام- أفرد الحج، ويحتمل أن يكون قوله: (صنعناها مع) (٢) رسول الله -عليه السلام- يعني أذن بها وأباحها وإذا أمر الرئيس بالشيء جاز أن يضاف ذلك إليه، كما يقال: رجم رسول الله -عليه السلام- في الزنا، وقطع في السرقة ونحو هذا، ومن هذا المعنى قوله: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} (٣) أي أمر فنودي فافهم.

وفي "شرح الموطأ" لأبي حسن الأشبيلي: ولا يصح عندي أن يكون -عليه السلام- متمتعًا إلاَّ تمتع قران، لأنه لا خلاف أنه -عليه السلام- لم يحل من عمرته حتى أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة، وأنه قد أقام محرمًا من أجل هديه إلى يوم النحر، وهذا حكم القارن لا المتمتع، ثم إن فسخ الحج في العمرة خُصَّ به أصحاب رسول اللهَ -عليه السلام- فلا يجوز اليوم أن يُفعل ذلك عند أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، لقوله


(١) في "الأصل، ك": "فقال"، والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٢١٠).
(٢) كذا في "الأصل، ك"، وفي "التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٣٦٠): "صنعها".
(٣) سورة الزخرف، آية: [٥١].

<<  <  ج: ص:  >  >>