للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق إبراهيم، عن عائشة قالت: "خرجنا ولا نرى إلاَّ أنه الحج"، وأراد بقوله: "وتمتعه" ما في حديثها الذي رواه محمد بن عبد الرحن بن نوفل عن عروة عن عائشة قالت: "خرجنا مع رسول الله -عليه السلام- عام حجة الوداع". الحديث.

وتقرير الجواب: أن يقال: إنها أخبرت أولاً بَأنه -عليه السلام- أفرد الحج وذلك لأنها شاهدت أولاً أنه أحرم بعمرة منفردة فمضى فيها على أن يحج وقت الحج فصار بذلك متمتعًا ثم أحرم بحجة منفردة فصار بذلك قارنًا فقد كان -عليه السلام- في إحرامه ذلك على أشياء مختلفة لأنه كان في أوله متمتعًا وصار محرمًا بحجة أفردها في إحرامه فلزمته مع عمرته المتقدمة فصار بذلك في معنى القارن والمتمتع وهذا نظير ما ذكره في حديثي ابن عباس ثم إن عائشة -رضي الله عنها- أرادت بقولها: إن رسول الله -عليه السلام- أفرد الحج إنكارًا على الذين رووا أن النبي أهلَّ بالحج والعمرة معًا في زمن واحد ولم ترد أنه -عليه السلام- كان عامئذ مفردًا بالحج، فافهم وقال أبو عمر: الاضطراب عن عائشة في حديثيها في الحج عظيم وقد أكثر العلماء في توجيه الروايات فيه ودفع بعضهم بعضها ببعض ولم يستطيعوا الجمع بينها.

وقال القاضي عياض: قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث وعلماؤنا وغيرهم فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقتصد مختصر وأوسعهم نفسًا في ذلك أبو جعفر الطحاوي المصري فإنه تكلم في ذلك على ألف ورقة وتكلم في ذلك أيضًا معه أبو جعفر الطبري، وبعدهم أبو عبد الله بن أبي صفرة وأخوه المهلب والقاضي أبو عبد الله بن المرابط والقاضي أبو الحسن ابن القصار البغدادي والحافظ أبو عمر بن عبد البر وغيرهم وأولى ما يقال في هذا على ما محصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم ما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث: أن النبي -عليه السلام- أتاح للناس فعل هذه الثلاثة الأشياء ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد لكان غيره لا يجرئ وإذ كان -عليه السلام- لم يحج سوى هذه الحجة فأضيف الكل إليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبي -عليه السلام-، إما لأمره بذلك أو لتأويله عليه، وقد قال بعض علمائنا: إنه -عليه السلام- أحرم منتظرا ما يؤمر

<<  <  ج: ص:  >  >>