أنس حينئذ وقلة ضبطه ألا ترى إلى ما روى الييهقي (١): من حديث سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم وغيره: "أن رجلَّا أتى ابن عمر فقال بم أهل رسول الله -عليه السلام-؟ قال: بالحج فانصرف، ثم أتاه في العام القابل فقال: بم أهل رسول الله -عليه السلام-؟ قال: ألم تأتني عام أول؟! قال: بلى ولكن أنس يزعم أنه قرن، قال: إن أنسًا كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس، وإني كنت تحت ناقة رسول الله -عليه السلام- يمسني لعابها اسمعه يلبي بالحج".
وأخرجه الطرطوشي في كتاب "الحج" ولفظه: "كان أنس صغيرًا يتولج على النساء وهن مكشفات لا يستترن منه لصغره، وأنا آخذ بزمام ناقة النبي -عليه السلام- يمسني لعابها -وفي لفظ يسل عليّ لعابها- سمعته يهل بالحج مفردًا وأهللنا مع النبي -عليه السلام- بالحج خالصًا لا يشوبه شيء" فقلت: هذا فيه نظر؛ لأن حجة الوداع كانت وسن أنس -رضي الله عنه- نحو العشرين فكيف يدخل على النساء وقد جاء في الصحيح أنه منع من الدخول عليهن حين بلغ خمس عشرة سنة، وذلك قبل الحجة بنحو خمس سنين؟! وأيضًا مكان سنه نحو سن ابن عمر ولعله لا يكون بينهما إلَّا نحو من سنة أو دونها، ولئن سلمنا ذلك فيجاب بما ذكره الطحاوي، وبما ذكرنا يُرَدُّ كلام ابن بطال أيضًا حيث يقول: وما يدل على قلة ضبط أنس: قوله في الحديث: "فلما قدمنا، أمر النبي -عليه السلام- فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج" وهذا لا معنى له ولا يفهم إن النبي -عليه السلام- قارنًا كان كما قال والأئمة متفقة على أن القارن لا يجوز له الإِحلال حتى يفرغ من عمل الحج كله؛ فلذلك أنكر عليه ابن عمر وإنما حلَّ من كان أفرد الحج وفسخه في عمرة ثم تمتع.
الطريق الأول: عن نصر بن مرزوق عن علي بن معبد بن شداد العبدي الكوفي الرقي نزيل مصر، وثقه أبو حاتم، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني، روى له الجماعة، عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه-.