الأبقع، وبذلك قالت طائفة، فلا يجيزون إلَّا قتل الأبقع خاصة، وطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان، ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب.
قلت: روى مسلم (١) عن ابن مثنى وابن بشار، كلاهما عن محمد بن جعفر، عن شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، عن النبي -عليه السلام- أنه قال:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: والحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدئا" فالروايات المطلقة محمولة على هذه الرواية المقيدة، وذلك لأن الغراب إنما أبيح قتله لكونه يبتدئ بالأذى ولا يبتدئ بالأذى إلَّا الغراب الأبقع، أما الغراب غير الأبقع فلا يبتدئ بالأذى فلا يباح قتله كالعقعق وغراب الزرع، ولأن الغراب الأبقع يأكل الجيف ويقع على وبر البعير وصاحبه قريب منه بخلاف غيره فإنه لا يأكل الجيف.
فإن قيل: قال ابن بطال: هذا الحديث لا يعرف إلَّا من حديث سعيد ولم يروه عنه غير قتادة وهو مدلس، وثقات أصحاب سعيد من أهل المدينة لا يوجد عندهم هذا القيد، مع معارضة حديث ابن عمر وحفصة -رضي الله عنهم- فلا حجة فيه حينئذ.
قلت: هذا الذي ذكره ليس بعلة يرد بها الحديث.
وقوله:"مع معارضة حديث ابن عمر وحفصة" غير صحيح إذ لا معارضة بين الحديثين وإنما هما مطلق ومقيد، فحمل المطلق على المقيد كما ذكرنا، وقال ابن بطال أيضًا: روى عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا: لا يقتل الغراب ولكن يرمي قال: وهذا خلاف السنة.
قلت: روي عن محمد بن الحنفية، عن علي -رضي الله عنه-: "يقتل الغراب الأبقع، ويرمى الغراب تخويفًا، وأما الغراب الذي يأكل الزرع فهو الذي يرمى ولا يقتل، وهو الصفة الذي استثناه مالك من جملة الغربان، قال القشيري: في قتله قولان للمالكية: أشهرها القتل لعموم الحديث، وأما منع القتل فإنه اعتبر الصفة التي علل