المحرم من الصيد قتله؛ وإن كان عموم الآية يتناول الاصطياد والصيد نفسه، لوقوع الاسم عليهما.
وجواب آخر: أن الله تعالى قال: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}(١) وإنما سمي الحيوان صيدًا ما دام حيًّا وأما اللحم فغير مسمى بهذا الاسم بعد الذبح، فإن سمي بذلك على أنه كان صيدًا، فأما اسم الصيد فليس يجوز أن يقع على اللحم حقيقة، ويدل عليه أن لفظ الآية لم ينتظم اللحم.
فإن قيل: يبقى الصيد يحرم على المحرم وإن لم يكن مسمى بصيد فكذا لحمه.
قلت: ليس كذلك؛ لأن المحرم غير منهي عن إتلاف لحم الصيد، فإذا أتلفه لم يضمنه، وهو منهي عن إتلاف البيض والفرخ ويلزمه ضمانه، وأيضاً فإن البيض قد يصير حكمه إلى الصيد، فحكم له حكم الصيد، ولحم الصيد لا يصير صيدًا بحال، وكان بمنزلة لحوم سائر الحيوان، إذْ ليس بصيد في الحال، ولا يجيء منه صيدًا في المآل.
ص: وقد رأينا النظر أيضًا يدل على هذا، وذلك أنهم أجمعوا على أن الصيد يحرمه الإِحرام على المحرم، ويحرمه الحرم على الحلال، وكان من صاد صيدًا في الحل فذبحه في الحل ثم أدخله الحرم فلا بأس بأكله إياه في الحرم، ولم يكن إدخاله لحم الصيد الحرم كإِدخاله الصيد نفسه وهو حيّ؛ لأنه لو كان كذلك لنهي عن إدخاله، ولمنع من أكله إياه فيه، كما يمنع من الصيد في ذلك كله، ولكان إذا أكله في الحرم وجب عليه ما يجب في قتل الصيد، فلما كان المحرم لا يمنع من لحم الصيد الذي صيد في الحل كما يمنع من الصيد الحي، كان النظر على ذلك أن يكون كذلك الإِحرام أيضًا يحرم على المحرم الصيد الحي ولا يحرم عليه لحمه إذا تولى الحلال ذبحه قياسًا على ما ذكرنا من حكم الحرم، فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله تعالى-.