للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فإن كان هذا الباب ... إلى آخره" إشارة إلى بيان أن الأخذ والعمل بأحد الحديثين المتعارضين لا يخلو إما أن يكون من طريق إسناد أحدهما، أو من طريق معاني الآثار، أو من طريق النظر والقياس، فإن كان الأول، فالأخذ بحديث جابر أولى؛ لأن إسناده أحسن من إسناد الحديث الأول؛ لأن في إسناد الحديث الأول من يتكلم فيه على ما ذكرناه.

فإن قيل: حديث جابر أيضًا ضعيف، وذكر الخطابي أن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق ضعفوا حديث جابر هذا؛ لأن مهاجرًا راويه عندهم مجهول، وقال البيهقي: حديث ابن عباس وابن عمر مع إرساله أشهر عند أهل العلم، وله شواهد مرسلة، والقول قول من رأى وأثبت.

إن كان تضعيفهم إياه لأجل مهاجر المكي فقد قلنا: إن ابن حبان وثقه، واحتج به أبو داود والترمذي والنسائي، ولم يتعرض أحد منهم حين خرَّج هذا الحديث إلى تضعيفه بسبب مهاجر، وسكوتهم عن ذلك دليل على رضاهم بالحديث لا سيما من عادة أبي داود أنه إذا سكت عن حديث خرجه يدل على صحته عنده وأدنى الأمر أنه يدل على حسنه (١)، وقول البيهقي: "مع إرساله أشهر" غير مسلم؛ لأن المرسل لا يلحق الحديث المسند، وقوله: "والقول قول من رأى وأثبت" غير مسلم أيضًا؛ فإن القول إنما يكون قول من رأى وأثبت إذا لم يكن ثمة ناسخ لذلك، وها هنا النسخ موجود على ما نذكره الآن.


(١) في هذا نظر لا يخفى، ومحله كتب مصطلح الحديث، وغاية ما فيه أن أبو داود قال عن أحاديث كتابه: "ما فيه ضعف شديد بينته، وما سكتُّ عنه فهو صالح".
ومفهوم هذا الكلام أن ما كان من الأحاديث فيه ضعف ليس شديد فإنه يسكت عنه أيضًا، ومع هذا لم يوف -رحمه الله- بهذا الشرط فقد سكت عن أحاديث كثيرة فيها ضعف شديد كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة لعلم الحديث. وراجع كلام الحافظ ابن حجر في كتابه النفيس "النكت على ابن الصلاح".

<<  <  ج: ص:  >  >>