ش: أي فلما ثبت أن الحِجْر -بكسر الحاء وسكون الجيم- من نفس البيت بالأحاديث المذكورة، وثبت أن الركنين اللذين يليان الحِجْر ليسا بركنين؛ لأنهما في وسط البيت وليسا بمنتهاه، وثبت [أنهما](١)"يستلمان كما لا يستلم ما بين الركنين، على ما يقتضيه النظر والقياس.
ص: وقد استدل عبد اللَّه بن عمر -رضي الله عنهما- بما استدللنا به من هذا في ترك رسول اللَّه -عليه السلام- استلام ذينك الركنين.
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- أخبر عبد اللَّه بن عمر، عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه السلام- قال: "ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، أفلا تردها على قواعد إبراهيم -عليه السلام-؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر.
قال: فقال عبد اللَّه بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت ذلك من رسول اللَّه -عليه السلام- ما أرى رسول اللَّه -عليه السلام- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلَّا أن البيت لم يتمَّم على قواعد إبراهيم -عليه السلام-".
فثبت بهذه الآثار ما ذكرنا، وأنه لا ينبغي أن يستلم من أركان البيت إلَّا الركنين اليمانيين، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم اللَّه-.
ش: ذكر هذا شاهدًا لاستدلاله لترك استلام الركنين اللذين يليان الحِجْر وتأييدًا له؛ وذلك لأن ابن عمر أخبر في حديثه أنه -عليه السلام- إنما ترك استلام هذين الركنين لكون البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم، كما قلنا إنهم لما قصرت بهم النفقة اقتصروا على ما هو عليه الآن، وبقي الحجر الذي هو من نفس البيت خارج البيت، حتى لو بني البيت على قواعد إبراهيم -عليه السلام- لكان ينبغي أن تستلم الأركان كلها؛ لأن كلها حينئذٍ تصير على منتهى البيت .. ثم رجال الحديث المذكور كلهم رجال الصحيح.