للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "قدمت على رسول الله -عليه السلام-" وكان قدومه من اليمن على ما صرَّح به في رواية البخاري، وكان النبي -عليه السلام- بعثه إلى قومه، فاتفق على قدومه والنبي -عليه السلام- منيخ بالبطحاء وهو المحصب، قال أبو عُبيد: هو في حدود خيف بني كنانة، وحدُّه من الحجون ذاهبًا إلى منى، وهو بطحاء مكة -شرفها الله تعالى.

قوله: "بما أهللت" قال ابن القياني: كذا وقع في الأمهات بالألف، وصوابه بغير الألف كأنه استفهام، قلت: معناه بأي شيء أحرمت.

قوله: "إهلال كإهلال النبي -عليه السلام-" أي إهلالي إهلال كإهلال النبي -عليه السلام- فيكون ارتفاع إهلال على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفي بعض النسخ: "إهلالًا كإهلال النبي -عليه السلام-" بالنصب على تقدير: أهللت إهلالًا كإهلال النبي -عليه السلام-، وبهذا استدل مالك على جواز الإِحرام المبهم، وهو أن يقول: أحرمت كإحرام زيد، وقال القاضي: أخذ الشافعي بظاهر هذا الحديث وجوَّز الإِهلال بالنية المبهمة، قال: ثم له بعد أن ينقلها لما شاء من حج أو عمرة، وله عنده أن ينتقل من نسك إلى غيره، وخالفه سائر العلماء والأئمة؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (١)، ولقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (٢)؛ ولأن هذا كان لأبي موسى، وعلي أيضًا خصوصًا إذْ كان شرع الحج بعد ما فعله النبي -عليه السلام- لم يستقر ولم يكمل بعد، فلم يمكنها -أعني أبا موسى وعليًّا -رضي الله عنهما- الإِقدام على أمر بغير تحقيق.

فإن قيل: كيف أمر أبا موسى بالإِحلال ولم يأمر عليًّا -رضي الله عنه-، والحال أن كلًا منهما قال: إهلال كإهلال النبي -عليه السلام-؟

قلت: لأن أمره لأبي موسى بالإِحلال على معنى ما أمر به غيره بالفسخ بالعمرة لمن ليس معه هدي، وأمره لعلي أن يهدي ويمكث حرامًا؛ إما لأنه -والله أعلم- كان معه هدي، أو يكون قد اعتقد النبي -عليه السلام- أنه يهدي عنه، أو


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٦].
(٢) سورة محمد، آية: [٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>