ولا يتضادان، وفسخ رسول الله -عليه السلام- الحج الذي كان فعله وأمر به أصحابه هو بعد طوافهم بالبيت، قد ذكرنا ذلك في باب فسخ الحج، فأغنانا ذلك عن إعادته ها هنا، فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان رسول الله -عليه السلام- فعله للعمرة التي انقلبت إليها حجته مُجزيًّا عنه من طواف حجته التي أحرم به بعد ذلك، ولكن وجه ذلك عندنا -والله أعلم-: أنه لم يطف لحجته قبل يوم النحر؛ لأن الطواف الذي يفعل قبل يوم النحر في الحجة إنما يفعل للقدوم لا لأنه من صلب الحجة، فاكتفى ابن عمر بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته، وهذا مثل ما روي عن ابن عمر أيضًا من فعله.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع:"أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا قدم مكة رَمَل بالبيت، ثم طاف بين الصفا والمروة، وإذا لبَّى من مكة بها لم يرمل بالبيت، وأخَّر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر، وكان لا يرمل يوم النحر.
فدلَّ ما ذكرنا أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا أحرم بالحجة من مكة لم يطف لها إلى يوم النحر، فكدلك ما روي عن رسول الله -عليه السلام- من إحرامه بالحجة التي أحرم بها بعد فسخ حجته الأولى لم يكن طاف لها بك يوم النحر، فليس في حديث ابن عمر، عن النبي -عليه السلام- من حكم طواف القارن لعمرته وحجته شيء، وثبت بما ذكرنا أيضًا خطأ الدراوردي في حديث عبيد الله الذي وصفناه.
ش: بيان هذا الجواب يحتاج إلى تمهيد كلام قبله، وهو أن أخبار ابن عمر في هذا الباب مضطربة ظاهرها متضادٌ، ألا ترى أن سالمًا روى عنه أنه قال: "تمتع رسول الله -عليه السلام- في حجة الوداع ... " الحديث.
أخرجه عن يزيد بن سنان القزاز، وإبراهيم بن أبي داود البرلسي، كلاهما عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم.