فهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي في احتجاج أهل المقالة الثانية وهم: أبو حنيفة وأصحابه أحاديث عبد الله بن عمر بعدة طرق، وأبي أيوب الأنصاري والبراء بن عازب.
وذكر الطبري في تهذيب الآثار أنه -عليه السلام- صلاها بإِقامة واحدة من حديث ابن مسعود وابن عمر وأُبي بن كعب وخزيمة بن ثابت وأسامة بن زيد -رضي الله عنهم-.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بلى، يصلي الأولى منهما بأذان وإقامة، والثانية بإِقامة بلا أذان.
ش: أي: خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري -في قول- والشافعي، وأحمد -في رواية- وأهل الظاهر، فإنهم قالوا: يجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين، وهو اختيار الطحاوي أيضًا.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- لما أتى المزدلفة صلى المغرب بأذان وإقامة".
ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- لما أتى المزدلفة صلى المغرب بأذان وإقامة، وهذا خلاف ما روى مالك بن الحارث عن ابن عمر، وقد أجمعوا أن الأولى من الصلاتين اللتين تجمعان بعرفة يؤذن لها ويقام، فالنظر على ذلك: أن يكون كذلك حكم الأول من الصلاتين اللتين تجمعان بجمع.
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن كريب مولى عبد الله بن عباس، عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول:"دفع رسول الله -عليه السلام- من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة، فقال: الصلاة أمامك، فركب حتى جاء المزدلفة، فنزل فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها، ولم يصل بينهما شيئًا".