ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الحاج لا يلبي في عرفة، واختلفوا في قطعه التلبية متى ينبغي أن يكون؟ فقال قوم: حين يتوجه إلى عرفات، وقال قوم: حين يقف بعرفات، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن المسيب ومحمد بن أبي بكر الثقفي ومالكًا وأصحابه وأكثر أهل المدينة؛ فإنهم قالوا: الحاج لا يلبي في عرفة، بل يكبر ويهلل، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وجابر بن عبد الله ثم اختلفوا متى يقطع التلبية؟ فقال قوم وهم سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأصحابه: يقطعها إذا توجه إلى عرفات، وروي نحو ذلك عن عائشة وعثمان، وروي عنهما خلاف ذلك، وقال قوم: وهم الزهري والسائب بن يزيد وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب في رواية: يقطعها حين يقف بعرفات، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص.
قوله:"احتجوا" أي هؤلاء الأقوام كلهم احتجوا في ترك التلبية في عرفات بالأحاديث المذكورة.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وطاوسًا وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى والحسن ابن حيي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود ابن علي وأبا عُبيد والطبري؛ فإنهم قالوا: يلبي الحاج ولا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وميمونة -رضي الله عنهم-.
ثم اختلف بعض هؤلاء، فقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطعها حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها، قالوا: وهو