إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل شيء إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرمًا كهيتئكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا".
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب إلى هذا قوم، فقالوا: لا يحل اللباس والطيب لأحد حتى يحل له النساء، وذلك حين يطوف طواف الزيارة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عروة بن الزبير وطائفة من السلف؛ فإنهم قالوا: لا يحل اللباس والطيب للحاج يوم النحر وإن رمى وحلق وذبح حتى يحل له النساء، والنساء لا تحل له إلاَّ بطواف الزيارة، واحتجوا على ذلك بالحديث المذكور، وفي بعض شروح البخاري: عن عروة لا يلبس القميص ولا العمامة ولا يتطيب -يعني يوم النحر- إلاَّ بعد طواف الزيارة، وقال البيهقي: لا نعلم أحدًا من الفقهاء قال بهذا.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إذا رمى وحلق حل له اللباس، واختلفوا في الطيب، فقال بعضهم: حكمه حكم اللباس فيحل كما يحل اللباس، وقال آخرون: حكمه حكم الجماع فلا يحل حتى يحل الجماع.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: علقمة وسالمًا وطاوسًا وعُبيد الله بن الحسن وخارجة بن زيد وإبراهيم النخعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد -في الصحيح- وأبا ثور وإسحاق؛ فإنهم قالوا: إذا رمى جمرة العقبة ثم حلق؛ حل له كل شيء كان محظورًا بالإِحرام إلاَّ النساء.
قوله: "واختلفوا" أي الفقهاء "في حكم الطيب فقال بعضهم" أبو حنيفة وأصحابة والشافعي وأصحابه، وأحمد في رواية: حكم الطيب حكم اللباس فيحل كما يحل اللباس.
وقال آخرون: وهم مالك والحسن البصري وأحمد في رواية: حكم الطيب حكم الجماع فلا يحل له حتى يحل الجماع.