أما الأثر الذي أخرجه عن علي بن شيبة، عن قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن جريج وموسى بن عقبة المدني، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهم- فإنه يدل أيضاً على إباحة اللباس بعد الرمي والحلق؛ لأن قص الأظفار والشارب والأخذ من اللحية كلها لا تكون إلاَّ من اللابس عادة.
قوله:"قبل أن يزور" أي بالبيت، وأراد به طواف الزيارة.
ص: فهذا عمر -رضي الله عنه- قد أباح لهم إذا رموا وحلقوا كل شيء إلاَّ النساء والطيب، وقد خالفته عائشة وابن عباس وابن الزبير -رضي الله عنهم- في الطيب خاصة، فأمَّا عائشة وابن عباس فقد روينا ذلك عنها فيما تقدم من هذا الباب، وأما ابن الزبير: فحدثنا ابن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: ثنا ابن الهاد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: سمعت عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- يقول:"إذا رمى الجمرة الكبرى فقد حل له ما حرم عليه إلاَّ النساء حتى يطوف بالبيت".
ش: أي هذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أباح للمحرمين إذا رموا جمرة العقبة وحلقوا رؤوسهم كل شيء إلا النساء والطيب، وثبت بهذا جواز اللباس بعد الرمي والحلق، وبقي الكلام في الطيب؛ فإن عمر -رضي الله عنه- استثنى الطيب كما استثنى النساء، فعلم أن مذهبه في الطيب؛ أن لا يباح إلاَّ بعد طواف الزيارة، ولكن خالفته ثلاثة من الصحابة، وهم: عائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن الزبير -رضي الله عنهم- في الطيب؛ فإنهم قالوا بإباحة الطيب أيضًا بعد الرمي والحلق، وقد تقدم فيما مضى ما روي فيه عن عائشة وابن عباس.
وأما ما روي عن ابن الزبير فأخرجه بإسناد صحيح، عن ابن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني، عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ... إلى آخره.