قوله:"كي ما أخالفه" أي حتى أخالف النبي -عليه السلام- في جوابي، أراد: إنك سألتني عن شيء قد علمته من رسول الله -عليه السلام- حتى أجيب بجواب أخالف فيه ما أجاب به رسول الله -عليه السلام-.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا: لا يحل لأحد أن ينفر حتى يطوف طواف الصدر ولم يعذروا في ذلك حائضًا بحيضها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: سالم بن عبد الله وابن شبرمة وطائفة من السلف؛ فإنهم قالوا: لا يجوز لأحد أن ينفر من مكة حتى يطوف طواف الصدر، حتى الحائض فإنها أيضًا لا تعذر في تركها طواف الوداع، بل تصبر إلى أن تطهير وتطوف، وحكى ابن المنذر هذا القول عن عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت -رضي الله عنه- فإنهم أمروها بالمقام لطواف الوداع، وقال أبو عمر بن عبد البر: وعن ابن عمر وعائشة مثله.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لها أن تنفر وإن لم تطف بالبيت، وعذروها بالحيض؛ هذا إذا كانت قد طافت طواف الزيارة قبل ذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: القاسم وطاوسًا وعطاء بن أبي رباح والنخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور؛ فإنهم قالوا: الحائض إذا كانت قد طافت طواف الزيارة قبل أن تحيض ثم حاضت يسقط عنها طواف الصدر، ولها أن تنفر من غير شيء.
واختلفوا في طواف الوداع، فالصحيح في مذهب الشافعي أنه واجب فإن تركه تارك لزمه دم، وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين، ولكنه ساقط عن الحائض عند الكل كما ذكرنا، وفي "شرح الموطأ" للإِشبيلي: أجمع العلماء أن طواف الإِفاضة فرض، وطواف الوداع سنة، وقال مالك: لا أحب لأحد أن يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف، فإن لم