أيضًا عند أبي يوسف، حتى لو حلق خارج الحرم لا شيء عليه، وقال زفر: يختص بالزمان لا بالمكان، وقال أبو حنيفة: يختص بهما جميعًا.
واستدل زفر بما روي أنه -عليه السلام- حلق عام الحديبية وأمر أصحابه بالحلق، وحديبية من الحل فلو اختص الحلق بالمكان وهو الحرم لما جاز في غيره.
والجواب أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، فيحتمل أنهم حلقوا بالحرم فلا يكون حجة مع الاحتمال، مع أنه روي أنه -عليه السلام- كان نزل بالحديبية بالحل وكان يصلي في الحرم، فالظاهر أنه لم يحلق في الحل وله سبل الحلق في الحرم.
وأما الجواب عما احتج به أبو يوسف ومحمد فنقول بموجبه: إنه لا حرج عليه بظاهر الحديث وهو الإِثم، ولكن انتفاء الإِثم لا يوجب انتفاء الكفارة، كما في كفارة الحلق عند الأذى، وكفارة قتل الخطأ.
وقال أبو عمر: اختلف في من قدم نسكًا على نسك أو آخره مما يصنعه الحاج يوم النحر خاصة، فأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يرمي، فإن مالكًا وأصحابه اختلفوا في إيجاب الفدية، وروي عن ابن عباس "أنه من قدم شيئًا أو أخر فعليه دم" ولا يصح ذلك عنه.
وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي، وهو قول الكوفيين.
وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق والطبري وداود: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، ولا على من قدم شيئًا أو أخره ساهيًا مما يفعل يوم النحر.
وعن الحسن وطاوس: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، مثل قول الشافعي ومن تابعه.
وعن عطاء بن أبي رباح: من قدم نسكًا قبل نسك فلا حرج، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة.