أن يكون قصد به إلى أنه كان أقرب الحل من مكة لأن غير التنعيم ليس كالتنعيم في ذلك، وهو معنى قوله:"لأن غيره من الحل ليس هو في ذلك كهو" أي لأن غير التنعيم ليس هو في القرب كهو أي كالتنعيم، ذلك لأن بين التنعيم الذي هو منتهى حد الحرم قربًا من المدينة وبين مكة نحو من أربعة أميال، وغيره أبعد منه؛ لأنهم ذكروا أن حد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن والعراق وعرفة والطائف وبطن نمرة سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة تسعة أميال، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن بطن عرنة أحد عشر ميلًا، فهذا كما رأيت أقرب الحل إلى مكة التنعيم؛ لأن على طريق المدينة، وقال بعضهم: حد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال عند بيوت السُّقيا، ومن اليمن سبعة أميال عند أضاة لِيفٍ، ومن العراق سبعة أميال على ثنية رحل وهو جبل بالمنقطع، ومن الجعرانة سبعة أميال من شعب ينُسب إلى عبد الله بن خالد بن أسيد، ومن جده عشرة أميال عند منقطع الأعناس، ومن الطائف سبعة أميال عند طرف عرنة ومن بطن عرنه أحد عشر ميلاً، ويحتمل أيضًا أن يكون النبي -عليه السلام- أراد به التوقيت لأهل مكة في العمرة، والتعيين به كما ذهب إليه أهل المقالة الأولى.
فلما تحقق الاحتمالان نظرنا في ذلك، فوجدنا حديث ابن أبي مليكة، عن عائشة يخبر أنه -عليه السلام- لما أعمرها لم يقصد إلاَّ إلى الحل الذي هو خارج الحرم ولم يقصد إلى موضع معين خاص، فظهر أن قوله في الحديث الآخر:"أعمرها من التنعيم" إنما كان لكونه أقرب الحل إلى مكة، لا لمعنى آخر في التنعيم مختص به ويمتاز به عن غيره من سائر الحل.
فثبت بذلك أن وقت من كان بمكة للعمرة هو الحل أي حل كان، وأن التنعيم وغيره في ذلك سواء.
ثم إسناد الحديث المذكور صحيح ورجاله رجال الجماعة غير يزيد بن سنان القزاز، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله القرشي أبو محمد الأحول المكي القاضي لابن الزبير والمؤذن له.