للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطاء: ولا شيء عليه، وقال مالك والشافعي أيضًا: لا يجزئه، ويخرج إلى الحل ثم يعيد عمل العمرة.

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- قصد إلى التنعيم في ذلك لأنه كان أقرب الحل منها؛ لأن غيره من الحل ليس هو في ذلك كهو، ويحتمل أيضًا أن يكون أراد به التوقيت لأهل مكة في العمرة ولا يجاوزوه لها إلى غيره.

فنظرنا في ذلك فإذا يزيد بن سنان قد حدثنا، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا أبو عامر صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "دخل عليَّ رسول الله -عليه السلام- بسرف وأنا أبكي، فقال: ما ذاك؟ قلت: حضت، قال: فلا تبكي، اصنعي ما يصنع الحاج، فقدمنا مكة، ثم أتينا منى، ثم غدونا إلى عرفة، ثم رمينا الجمرة تلك الأيام، فلما كان يوم النفر [ارتحل] (١) فنزل الحصبة، قالت: والله ما نزلها إلاَّ من أجلي، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- فقال: احمل أختك فأخرجها من الحرم، قالت: والله ما ذكر الجعرانة ولا التنعيم، فلتهل بعمرة فكان أدنانا من الحرم التنعيم، فأهللت بعمرة، فطفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة ثم أتينا فارتحل".

فأخبرت عائشة أن النبي -عليه السلام- لم يقصد لما أراد أن يعمرها إلاَّ إلى الحل لا إلى موضع منه بعينه خاصة، وأنه إنما قصد بها عبد الرحمن التنعيم لأنه كان أقرب الحل إليهم، لا لمعنى فيه يَبِينُ من سائر الحل غيره، فثبت بذلك أن وقت أهل مكة لعمرتهم هو الحل، وأن التنعيم في ذلك وغيره سواء، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين، وأراد بها الجواب عما احتج به أهل المقالة الأولى، بيانه: أن أمره -عليه السلام- عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم يحتمل


(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>