فإن قيل: لما قال النبي -عليه السلام- لكعب بن عجرة: اذبح شاة، ولم يشترط له مكانًا، وجب أن لا يكون مخصوصًا بموضع.
قلت: إن كعب بن عجرة أصابه ذلك وهو بالحديبية، وبعضها من الحل وبعضها من الحرم، فجائز أن يكون ترك ذكر المكان اكتفاء بعلم كعب بأن ما تعلق من ذلك بالإِحرام فهو مخصوص بالحرم، وقد كان أصحاب النبي -عليه السلام- عالمين بحكم تعلق الهدايا بالحرم، لما كانوا يرون النبي -عليه السلام- يسوق البدن إلى الحرم لينحرها هناك.
ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في نحر النبي -عليه السلام- لذلك الهدي الذي نحره [بالحديبية](١) لما صد عن الحرم، وتصدق بلحمه بقديد، أن قومًا قد زعموا أن نحره إياه كان في الحرم.
حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا مخول بن إبراهيم بن مخول بن راشد، عن إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر، عن ناجية بن جندب الأسلمي -رضي الله عنه- قال:"أتيت النبي -عليه السلام- حين صد الهدي فقلت يا رسول الله، ابعث معي بالهدي فلأنحره في الحرم، قال: وكيف يا جندب، قال آخذ به في أودية لا يقدرون عليّ فيها فبعثه معي حتي نحرته في الحرم".
فقد دل هذا الحديث أن هدي النبي -عليه السلام- ذلك نحر في الحرم.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية وأراد منها الجواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بنحره -عليه السلام- في الحديبية، وبين ذلك بوجهين:
أحدهما: ما أشار إليه بقوله: إن قومًا زعموا أن نحره إياه كان في الحرم، أي أن نحر النبي -عليه السلام- هديه إنما كان في الحرم، ولم يكن في الحل، واستدلوا على ذلك بحديث ناجية بن جندب الأسلمي فإنه يدل على أن هديه -عليه السلام- قد نحر في الحرم.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".