للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الهدي إذا صد عن الحرم نحو في غير الحرم، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وقالوا: لما نحر رسول الله -عليه السلام- بالحديبية إذ صد عن الحرم؛ دل ذلك على أن لمن منع من إدخال هديه الحرم أن يذبحه في غير الحرم.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدًا والزهري ومالكًا والشافعي وأحمد؛ فإنهم قالوا: بجواز ذبح الهدي الذي يصد عن الحرم في غير الحرم، واستدلوا على ذلك بالحديث المذكور.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجوز نحر الهدي إلاَّ في الحرم.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن إسحاق وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: لا يجوز ذبح الهدي إلاَّ في الحرم.

ص: وكان من حجتهم في ذلك: قول الله -عز وجل-: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} " (١) فكان الهدي قد جعله الله -عز وجل- ما بلغ الكعبة، فهو كالصيام الذي جعله الله -عز وجل- متتابعًا في كفارة الظهار وكفارة القتل، فلا يجوز غير متتابع، وإن كان الذي وجب عليه غيرَ مُطيقٍ للإِتيان به متتابعًا فلا تبيحه الضرورة أن يصومه متفرقًا، فكذلك الهدي الموصوف ببلوغ الكعبة لا يجزئ الذي هو عليه كذلك وإن صد عن بلوغ الكعبة للضرورة أن يذبحه فيما سوى ذلك.

ش: أي وكان من حجة الآخرين فيما ذهبوا إليه قول الله -عز وجل- {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (١)، وقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٢) وصار بلوغ الكعبة صفة للهدي ولا يجزئ دونها، وأيضًا لما كان ذبحًا تعلق وجوبه بالإِحرام؛ وجب أن يكون مخصوصًا بالحرم كجزاء الصيد وهدي المتعة.


(١) سورة المائدة، آية: [٩٥].
(٢) سورة الحج، آية: [٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>