تجزئ واحدة، وعن الثوري يجزئ فم القربة، وأجمعوا أن تقليد الهدي سُنَّة ولكن اختلفوا في أي هدي يقلد، فعن سعيد بن جبير الإِبل تقلد وتشعر والغنم لا تشعر ولا تقلد، والبقر تقلد ولا تشعر، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يقلد الغنم، وقال أبو حنيفة أيضًا: لا يقلد إلا هدي المتعة والقران والتطوع في الإِبل والبقر، ولا يقلد هدي الإِحصار ولا الجماع ولا جزاء الصيد، وقال مالك والشافعي: يقلد كل هدي ويشعر.
قوله:"وتشعر" من الإِشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة يعرف أنها هدي، وفي "الجامع" للقزاز: أشعرها إشعارًا، وإشعارها أن يوجأ أصل سنامها بسكين، سميت بما حل فيها وذلك لأن الذي فعل بها علامة تعرف بها.
وفي "المحكم": هو أن يشق جلدها أو يطعنها حتى يظهر الدم، وقال ابن حبيب: تشعر طولاً، وقال السفاقسي عرضًا، والعرض عرض السنام من العنق إلى الذنب، وهو سنة عند عامة العلماء إلا أن أبا حنيفة لم يره سنة، وقد شنع ابن حزم على أبي حنيفة في كتابه "المحلى" وقال: قال أبو حنيفة: أكره الأشعار وهو مثلة، وقال: هذه طامة من طوام العَالَم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله -عليه السلام- أُفٍّ لكل عقل يتعقب حكم رسول الله -عليه السلام-، ويلزمه أن تكون الحجامة وفتح العرق مثلة، فيمنع من ذلك وهذه قولة لا نعلم لأبي حنيفة فيها متقدمًا من السلف، ولا موافقًا من فقهاء عصره إلا من ابتلاه الله بتقليده.
قلت: هذه سفاهة وقلة حياء, لأن الطحاوي الذي هو أعلم الناس بمذاهب الفقهاء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة ذكر أن أبا حنيفة لم يكره أصل الإِشعار ولا كونه سنة وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاكها لسراية الجرح، لا سيما في حرِّ الحجاز مع الطعن بالسنان أو الشفرة، فأراد سد الباب على العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من وقف على الحد فقطع الجلد دون اللحم فلا يكرهه، وذكر