ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجب على أحد تجريد ولا ترك شيء مما يتركه المحرم إلاَّ بدخوله في الإِحرام إما بالحج وإما بالعمرة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والثوري والحسن بن حي وعُبيد الله بن الحسن والليث وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا عبيد وأبا ثور والطبري وأبا سليمان وداود -رحمهم الله- فإنهم قالوا: لا يجب على من بعث بهدي أن يتجرد عن ثيابه ولا ترك شيء مما يتركه المحرم إلا بدخوله في الإِحرام إما بالحج وإما بالعمرة، هذا جملة قولهم: وإما تفصيل ذلك: فقال الثوري: إذا قلد فقد أحرم إن كان يريد الحج، وإن لم يرده فليبعث به ويقيم حلالًا. وقال الشافعي وأبو ثور وداود: لا يجب عليه إحرام حتى ينويه ويريده.
وقال أبو حنيفة: إن قلده وهو يؤم البيت فقد وجب عليه الإِحرام، وإن جلله أو أشعره لم يكن محرمًا، وإنما يكون محرمًا بالتقليد، قال: وإن كان معه شاة فقلدها لم يجب عليه الإِحرام؛ لأن الغنم لا تقلد، وإن بعث بهديه فقلده وأقام حلالاً، ثم بدا له فخرج واتبع هديه، فلا يكون محرمًا حتى يدرك هديه ويأخذه ويسوقه معه.
ص: وكان مما احتجوا به في ذلك ما قد رويناه عن عائشة فيما أجابت به زيادًا، وبما حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا إسماعيل ابن أبي خالد، عن مسروق قال:"قلت لعائشة: إن رجالًا ها هنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذين يبعثون معه بمعلم لهم يقلدونها ذلك اليوم، فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس، فصفقت بيديها، فسمعت ذلك من وراء الحجاب، فقالت: سبحان الله، لقد كنت أفتل قلائد هدى رسول الله -عليه السلام- بيدي، فيبعث بها إلى الكعبة ويقيم فينا، فلا يترك شيئًا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد ... فذكر بإسناده مثله.