ص: وأما النظر في ذلك: فإن المحرم حرام عليه جماع النساء، فاحتمل أن يكون عقد نكاحهن كذلك، فنظرنا في ذلك فوجدناهم قد أجمعوا أنه لا بأس على المحرم بان يبتاع جارية ولكن لا يطأها حتى يحل، ولا بأس بأن يشتري طيبًا يتطيب به بعد ما يحل، ولا بأس بأن يشتري قميصًا ليلبسه بعدما يحل، وذلك الجماع والتطيب واللباس حرام عليه كله وهو محرم، فلم تكن حرمة ذلك عليه تمنعه عقد الملك عليه، ورأينا المحرم لا يشتري صيدًا، فاحتمل أن يكون حكم عقد النكاح كحكم عقد شراء الصيد، أو كحكم شراء ما وصفنا مما سوى ذلك؛ فنظرنا في ذلك فإذا من أحرم وفي يداه صيد أمر أن يطلقه، ومن أحرم وعليه قميص أو في يده طيب أمر أن يطرحه عنه ويرفعه، ولم يكن ذلك كالصيد الذي يؤمر بتخليته وترك حبسه، ورأيناه إذا أحرم ومعه امرأة لم يؤمر بإطلاقها بل يؤمر بحفظها وصونها، فكانت المرأة في ذلك كاللباس والطيب لا كالصيد، فالنظر على ذلك أن يكون في استقبال عقد النكاح عليها في حكم استقبال عقد الملك على الثياب والطيب الذي يحل له لبس ذلك واستعماله بعد الخروج من الإِحرام.
ش: أي وأما وجه النظر والقياس في نكاح المحرم وإنكاحه: فإن المحرم حرام عليه ... إلى آخره ظاهر غني عن زيادة البيان، ولكن ملخصه: أن المحرم ممنوع من شراء الصيد وغير ممنوع من شراء الجارية والطيب والقميص مثلًا, ولكن لا يحل استعمالها في الوطئ والتطيب واللبس إلا بعد الخروج من الإِحرام، وعقد النكاح يحتمل أن يكون كالنوع الأول ويحتمل أن يكون كالنوع الثاني، فاعتبرنا ذلك فرأينا من أحرم وفي يده صيد يؤمر بإطلاقه، ومن أحرم ومعه قميص أو طيب يؤمر بطرحه، ومن أحرم ومعه امرأة لا يؤمر بإطلاقها، فكان حكمها كحكم القميص والطيب لا كحكم الصيد، فالقياس على ذلك يقتضي حكمها أن يكون في استقبال العقد عليها كحكم استقبال العقد على الثياب والطيب الذي يحل استعماله بعد الخروج من الإِحرام.