وهذا مثبت, لأنه يثبت أمرًا عارضًا على الإِحرام، وقول من قال: إنه تزوجها وهو محرم نافي؛ لأنه ينفي الأمر العارض وهو الحل، فكان ينبغي أن يكون المثبت أولى لأنه أقرب إلى الصدق من النافي، ولهذا قبلت الشهادة على الإِثبات دون النفي، وهذا اختيار أبي الحسن الكوفي أيضًا.
قلت: اتفقت الروايات على أن النكاح لم يكن في الحل الأصلي، وإنما الاختلاف في أنه كان في الحل المعترض على الإِحرام أو كان في الإِحرام؟ وأخذ أصحابنا في هذه الصورة بالنافي وهو أنه لم يكن في الحل الأصلي، وإنما اختاروا هذا وإن كانوا يأخذون في بعض المواضع بالمثبت، واختلاف أصحابنا في هذا يرجع إلى أصل، وهو أن النفي لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون من جنس ما يعرف بدليله بأن يكون مبناه على دليل، أو من جنس ما لا يعرف بدليله بأن يكون مبناه على الاستصحاب دون الدليل، أو احتمل الوجهان، فإن كان الأول فهو مساوٍ للمثبت وتتحقق المعارضة بينهما ويعمل بالراجح منهما، وإن كان الثاثي فالأخذ بالمثبت أولى؛ لأن ما لا دليل عليه لا يعارض ما ثبت بالدليل، وإن كان الثالث يستقصى وينظر في ذلك النفي؛ فإن تبين أنه مما يعرف بالدليل يكون كالإِثبات فيتعارضان فيطلب الترجيح، وإن تبين أنه بناء على الاستصحاب فالإِثبات أولى كالقسم الثاني، ثم النفي في حديث ميمونة مما يعرف بدليله، وهو هيئة المحرم، فإن الإِحرام حالة مخصوصة يدرك عيانًا من لبس ما ليس بمخيط، وكشف الرأس، فيكون كالإِثبات فيقع بينهما المعارضة فيطلب الترجيح، فرجحناه بحال الراوي؛ لأنه تعذر الترجيح من نفس الحجة، فأخذنا برواية ابن عباس؛ لأنه روى القصة على وجهها وذلك دليل إتقانه، فكان الأخذ بروايته أولى؛ لأن راوي المثبت وهو يزيد بن الأصم لا يعادل ابن عباس في الضبط والإِتقان والتفقه التي هي من أسباب ترجيح الرواية, ولهذا أنكر عمرو بن دينار حديثه وقال للزهري: وما يدري يزيد بن الأصم؛ أعرابي بوال على عقبيه، أتجعله مثل ابن عباس؟! فسكت الزهري ولم ينكر عليه. فافهم.