الثقات، ولئن سلمنا ما ذكره البيهقي وغيره، ولكن هؤلاء لا يساوون الذي رووه عن ابن عباس: أنه -عليه السلام- تزوجها وهو محرم؛ لأن الذين رووه عن ابن عباس أهل علم وثبت وضبط وإتقان، وهم: سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان ومجاهد بن جبر وعكرمة مولى ابن عباس وجابر بن زيد أبو الشعثاء، فهؤلاء أئمة أجلاء أثبات وحجج يحتج بروايتهم، ويقتدي بآرائهم، وكذلك الذين رووا عنهم ونقلوا: منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، أئمة ثقات أثبات يحتج برواياتهم فلا يشك أحد ممن له بصيرة وتمييز بين الرجال أن هؤلاء لا يساويهم رواة الأحاديث التي فيها أنه -عليه السلام- تزوج ميمونة وهو حلال، ولا يدانيهم ولا يقرب منهم، ومع هذا فحديث ابن عباس قد وافقه حديث عائشة وشيَّده وعضده برواة هم أئمة ثقات أجلاء لم يطعن فيهم أحد كأبي عوانة الوضاح الذي روى عن مغيرة بن مقسم، الذي يروي عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، الذي يروي عن مسروق بن الأجدع، عن عائشة -رضي الله عنها-.
وأما حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فإن الذي رواه نبيه بن وهب، وليس هو كعمرو بن دينار ولا جابر بن زيد، ولا يداني واحدًا منهما ولا يقرب، ولا له موضع في العلم كموضع أحد منهم، وقال ابن العربي: ضعف البخاري حديث عثمان وصحح رواية ابن عباس.
فهذا البخاري لو علم أن رواة حديث عثمان مساوون لرواة حديث ابن عباس لصحح كلا الحديثين، ولئن سلمنا أنهم متساوون فنقول: معنى قوله: لا ينكح المحرم: لا يطأ وهو محمول على الوطئ، والكراهة لكونه سببًا للوقوع في الرفث، لا إن عقده لنفسه أو لغيره بأمره ممتنع، ولهذا قرنه بالخطبة، ولا خلاف في جوازها وإن كانت مكروهة، فكذا النكاح والإِنكاح، وصار كالبيع وقت النداء.
فإن قيل: اجتمع ها هنا نصَّان: أحدهما: مثبِت والآخر نافي؛ لأن قول من قال: تزوج ميمونة وهو حلال مثبت؛ لأن معناه أي خارج عن الإِحرام بعد دخوله فيه،