كرهت هي ذلك، فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك من حقها عليه أن يفضي إليها في جماعه إياها إن أحب ذلك أو كره. هذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: إنما قال أصح القولين مع أن المذكور ثلاثة أقوال؛ لأن القول الثالث هو الذي يقابل القول الأول، والقول الثاني يقابل القول الأول من وجه ويقابل الثالث من وجه، ففي الحقيقة القول الأول والثاني سواء في كراهة العزل، غير أن في القول الثاني شرطًا زائدًا وهو إذن الحرة، وهو الذي نص عليه الطحاوي بالصحة، وحاصل كلامه يشير إلى أن الحق مشترك بينهما, ولها حق في الولد وبالعزل يفوت ذلك، فإذا أذنت كانت راضية بفوات حقها. وهذا هو النظر والقياس في هذا الباب.
ص: وللمولى في قولهم جميعًا عند من كره العزل أصلاً أن يجامع أمته ويعزل عنها في جماعه ولا يستأذنها في ذلك.
ش: أي للمولى في قول أصحاب المقالات المذكورة جميعًا عند من كره العزل مطلقًا أن يعزل عن أمته من غير استئذان منها؛ لأن الأمَة ليس لها حق، فلا ضرر لها في العزل، إلاَّ ما روي عن أهل الظاهر من منع ذلك مطلقًا عن الحرة والأمَة جميعًا.
فإن قيل: نفس النطفة من الرجل فيها روح، فبصرفها عن الرحم إتلاف لذلك الروح فتستوي فيه الحرة والأمَة لكونه يصير وأدًا.
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن الله -عز وجل- أوضح في كتابه وقت إمكان الوأد، وهو قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(١) فأعلمنا الله -عز وجل- بذلك الوقت الذي تكون فيه الحياة في المخلوق من النطفة، فيجوز أن يوأد حينئذٍ فأما قبل ذلك كسائر الأشياء التي لا حياة لها: ألا ترى إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أنها لا تكون موءودة حتى