للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذِكره أشهى إلي من الرحيق السَّلسَلِ (١)

قوله: "فلا عليكم ألَّا تعزلوا" أي فلا عليكم ترك العزل. وهذا يفهم منه إباحة العزل، وفهم منه الحسن البصري وابن سيرين النهي، فقال الحسن: فكأن هذا زجرٌ، وقال ابن سيرين: هو أقرب إلى النهي، وقال القرطبي: فهمت طائفة من هذا التركيب النهي والزجر عن العزل، كما حكي عن الحسن وابن سيرين، فكأنهم فهموا من "لا" النهي عما سأل عنه، وحذف بعد قوله: "لا"، فكأنه قال: لا تعزلوا، وعليكم ألَّا تفعلوا، تأكيدًا لذلك النهي.

وفهمت طائفة أخرى منها الإِباحة، كأنها جعلت [جواب] (٢) السؤال: قوله: "لا عليكم ألَّا تعزلوا" أي ليس عليكم جناح في ألَّا تعزلوا. قال: وهذا التأويل أولى، بدليل قوله: "ما مِنْ نسمةٍ كائنة إلاَّ وستكون"، وبقوله: "افعلوا أو لا تفعلوا فإنما هو القدر"، وبقوله: "إذا أراد الله -عز وجل- خلق شيء لم يمنعه شيء". وهذه الألفاظ كلها مصرِّحه بأن العزل لا يرد القدر، ولا يضر، فكأنه قال: لا بأس به.

قلت: الذي [قالته] (٣) الطائفة الأولى ليس معنى التركيب، بل فيه تعسف على ما [قالته] (٤) الطائفة الثانية، فلذلك وضعه الطحاوي ها هنا. فافهم.

الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- عن أبيه عبد الله بن ذكوان، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- بن منقذ الأنصاري المدني، عن عبد الله بن محيريز بن جنادة المكي، عن أبي سعيد.


(١) هذا عجز بيت ذكره ابن منظور في "لسان العرب" عن ابن بري، وعزاه لأبي كبير (مادة: سلسبيل) ونصه:
أَم لا سَبِيلَ إِلى الشَّبابِ وذِكْرُه ... أَشْهَى إِليَّ من الرَّحِيق السَّلْسَلِ
(٢) في "الأصل، ك": "جوابًا".
(٣) في "الأصل، ك": "قاله".
(٤) في "الأصل، ك": "قاله".

<<  <  ج: ص:  >  >>